العرب مثل هذا ولم يعد معجزة .. ومنهم من قال إعجازه حصل بما فيه من نشاط القلوب الواعية ، وغير الواعية إليه واقبالها بوجه المودة عليه واستحلاء طعم عذوبة ألفاظه ومعانيه وهشاشتها بما يتردد عليها من مبشراته المبهجة ومحذراته المزعجة وآياته المقلقة وأخباره المونقة مع كثرة قرعه للأسماع وصدعه بما يخالف الطباع ، ومع ذلك فالقلوب مقبلة على اذكاره راغبة في تكراره شجية عند سماع مزماره يجد ذلك منهم البر والفاجر والمؤمن والكافر ، قال الله تبارك وتعالى : ( اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ) الآية .. وروى أن نصرانيا مرّ بقارئ فوقف يبكي فقيل له مم بكاؤك؟ قال : الشجا والنظم .. وفي الحديث الذي وصف به النبي صلى الله عليه وسلم القرآن بأنه لا يخلق على كثرة الرد ، ولا تنقضي عبره ولا تفنى عجائبه ، هو الفصل ليس بالهزل لا تشبع منه العلماء ، ولا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، وهو الذي لم تلبث الجن حين سمعته أن قالوا : ( إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً ) الآيات .. وقد اعترض على هذا القول بأنه قد يوجد في السنة ، وكلام فصحاء العرب ، وأشعار فحول الشعراء ما يحسن موقعه ، وتشرئب النفوس إلى سماعه ، ولا تمله على تكراره.
ومنهم من قال : إعجازه بما يقع في النفوس منه عند تلاوته من الروعة ، وما يملأ القلوب عند سماعه من الهيبة ، وما يلحقها من الخشية سواء كانت فاهمة لمعانيه ، أو غير فاهمة أو عالمة بما يحتويه ، أو غير عالمة كافرة بما جاء به أو مؤمنة ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم :« القرآن صعب مستصعب على من كرهه وهو الحكم » فهذه الغيبة لم تزل تعتري من سمعه ، وقد اعترت جماعة من الصحابة قبل الاسلام وبعده ، فمات منهم خلق كثير من المؤمنين ، وسلبت به عقول كثير من الموقنين وتدلهت به ألباب جماعة من المحسنين. وقد صح أن جبير بن مطعم قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور ، فلما