يكن تعجب القوم من وضعه يده على رأسه ، بل من تعذر ذلك عليهم ، ولما علمنا بالضرورة أن تعجب العرب كان من فصاحة القرآن نفسه بطل القول بالصرف.
الثاني : لو كان كلامهم مقاربا في الفصاحة قبل التحدي لفصاحة القرآن ، لوجب أن يعارضوه بذلك ، ولكان الفرق بين كلامهم بعد التحري وكلامهم قبله ، كالفرق بين كلامهم بعد التحري وبين القرآن ، ولما لم يكن كذلك بطل ذلك. الثالث : أن نسيان الصيغ المعلومة في مدة يسيرة يدل على زوال العقل ، ومعلوم أن العرب ما زالت عقولهم بعد التحدي فبطل أن يكون الإعجاز بالصرف ، بل الإعجاز ليس بالصرف ..
وكل واحد من هذه الأقوال يحتمل أن يكون معجزة إذا تحدّى بها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعجزوا عن الاتيان بمثل ما تحدى به ، وسمي هذا القول معجزة لتعجيزه من رام معارضته والإتيان بمثله ، لانها اسم فاعل من أعجزت يقال : أعجزت هذه القصة فهي معجزة .. والذي يتعين اعتقاده أن القرآن بجملة ألفاظه ومعانيه وبعضه وكله معجزة ، إما لسلب قدرتهم عن الإتيان بمثله ، وإما لصرفهم عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم تحدى به وعرض عليهم الاتيان بمثله فعجزوا عن ذلك ، ولأن الله سبحانه أخبر انهم لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، أو عشر سور من مثله ، فعجزوا عن ذلك ، أو سورة منه ، أو آية لتحديه صلى الله عليه وسلم بها ، وعجزهم عن الإتيان بمثلها هذا الذي وقع عليه تصريح الكتاب ، وصريح الخطاب ، ولا مرية في ذلك ، ولا خلاف.
فإن قال قائل : إن سورة من القرآن معجزة ، ومع هذا إنها لم تحتو على جميع ما أودع القرآن من الايجاز وضروب البيان وعذوبة المساق ،