وغرابة الأسلوب والاخبار عن القرون السالفة في الأعصر الماضية إلى غير ذلك مما تقدم ذكره.
فالجواب عنه : أن السورة من القرآن جامعة لجميع ما ذكرناه ، إما منطوق به أو مشار إليه ، ولهذا قال سبحانه وتعالى : ( فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ ) فما وقع التحدي إلا بسورة منكرة ، أي سورة كانت ، فهذا دليل على أن القرآن العظيم ، قد احتوت أقصر سورة فيه من المعاني البديعة والفصاحة التي تسدّ بها عن معارضته الذريعة ، ونضرب لك مثالا ليتحقق عندك ما ذكرناه فنقول سورة الكوثر أقصر سورة ، وفيها من الألفاظ البديعة الرائقة التي اقتضت بها أن تكون مبهجة ، والمعاني المنيعة الفائقة التي اقتضت بها أن تكون معجزة أحد وعشرون ثمانية في قوله : ( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) وثمانية في قوله : ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) وخمسة في قوله : ( إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) أما الثمانية التي في قوله : ( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) فالاول ان قوله : ( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) دلّ على عطية كثيرة مسندة إلى معط كبير ، ومن كان كذلك كانت النعمة عظيمة عنده ، وأراد بالكوثر الخير الكثير ، ومن ذلك الخير الكثير ينال أولاده إلى يوم القيامة من أمته. جاء في قراءة عبد الله ابن مسعود رضياللهعنه ـ النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم ـ ومن الخير الذي وعد به ما أعطاه الله في الدارين من مزايا التعظيم والتقديم والثواب ما لم يعرفه الا الله. وقيل : إن الكوثر ما اختص به من النهر الذي ماؤه احلى من كل شيء ، وعلى حافاته أواني الذهب والفضة كالنجوم ، أو كعدد النجوم.
الثانية : أنه جمع ضمير المتكلّم ، وهو يشعر بعظم الربوبية .. الثالثة : إنه بنى الفعل على المبتدأ فدل على خصوصية وتحقيق على ما بينا في باب التقديم والتأخير .. الرابعة : أنه صدر الجملة بحرف التوكيد