فيه حسنان. وروده على طريق الالتفات التي هي أم من الأمهات.
وصرف الكلام عن لفظ المضمر إلى لفظ المظهر وفيه اظهار لكبرياء شأنه واثباته لعز سلطانه ، ومنه أخذ الخلفاء ـ يأمرك أمير المؤمنين بكذا ـ وعن عمر بن الخطاب رضياللهعنه حين خطب الأزدية إلى أهلها فقال خطب اليكم سيد شباب قريش مروان بن الحكم. الثامنة : علّم بهذا أن من حقوق الله التي تعبد العباد بها إنه ربهم ومالكهم وعرّض بترك التماس العطاء من عبد مربوب ترك عبادة ربه .. وأما قوله : جل جلاله : ( إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) ففيه خمس فوائد. الأولى : أنه علل الأمر بالاقبال على شأنه ، وترك الاحتفال بشانيه على سبيل الاستئناف الذي هو حسن حسن الموقع ، وقد كثرت في التنزيل مواقعه. الثانية ويتجه أن نجعلها جملة الاعتراض مرسلة ارسال الحكمة الخاتمة الاغراض كقوله تعالى : ( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) وعنى بالشانئ العاص بن وائل. الثالثة : إنما لم يسمعه باسمعه ليتناول كل من كان في مثل حاله. الرابعة : صدر الجملة بحرف التوكيد الجاري مجرى القسم وعبر عنه بالاسم الذي فيه دلالة على أنه لم يتوجه بقلبه إلى الصدق ، ولم يقصد بلسانه الإفصاح عن الحق ، بل نطق بالشنآن الذي هو قرين البغي ، والحسد وعين البغضاء ، والحرد ، ولذلك وسمه بما ينبئ عن الحقد.
الخامسة : جعل الخبر معرفة وهو الابتر ، والشانئ حتى كأنه الجمهور الذي يقال له الصنبور. ثم هذه السورة مع علو مطلعها وتمام مقطعها واتصافها بما هو طراز الأمر كله من مجيئها مشحونة بالنكث الجلائل مكتنزة بالمحاسن غير القلائل ، فهي خالية عن تصنع من يتناول التنكيت ويعمل بعمل من يتعاطى بمحاجته التبكيت.
قال المصنف عفا الله عنه : والأقرب من هذه الأقاويل الى الصواب