وأما إذا كان التعاند بالتضاد حقيقة كان أو ظاهرا فمثاله : تشبيه الجهال بالأموات ، لأن المقصود بالحياة الإدراك والعقل ، فإذا عدما فقد عدمت الآثار المطلوبة من الحياة فتصير تلك الحياة مساوية للموت في عدم الفائدة المطلوبة ، والموت أولى بذلك ، فتتنزل الحياة منزلته.
ثم الضدان إذا كانا متقابلين الأشدّ والأضعف ففي أحد الطرفين اسم الأزيد ، وفي الطرف الآخر اسم الأنقص. فشرط مساوئ التشبيه مثلا كل من كان أقلّ علما وأضعف قوّة كان أولى أن يستعار له اسم الميت.
ولما كان الادراك أقدم من الفعل في كونه خاصية للانسان لا جرم كان الأقل علما أولى باسم الميت أو الجماد من الأقل قوّة باسم الحياة ، فالاشرف علما أولى بذلك لقوله تعالى : ( أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ ) هذا اذا كانا متقابلين أما إذا لم يكونا كذلك وهو أن يكونا موجودين يشتركان في وصف من عقول إلا أن ذلك الوصف لأحدهما أولى ، فيتنزل الناقص منزلة الكامل مثل قولهم : فلان لقي الموت إذا كان لقي شيئا من الشدائد لأنها مشاركة للموت في الكراهية ، لكن الموت أولى بها فتتنزل تلك الشدائدمنزلة الموت لاشتراكها في المكروهية ، وعلى هذا قوله تعالى : ( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ ).
وأما الثالث : فهو أن يستعار للمعقول اسم المحسوس ، وهو كاستعارة الحجة للنور الذي هو محسوس بالبصر ، واستعارة العدل للقسطاس المدرك بحاسة العين.
وأما الرابع : فهو استعارة اسم المعقول للمحسوس ، وهو غير جائز إلا على التأويل الذي نذكره في باب التشبيه إن شاء الله تعالى.