أما ترى البرد قد وافت عساكره |
|
وعسكر الحرّ كيف انصاع منطلقا |
فانهض بنار الى فحم كأنهما |
|
في العين ظلم وانصاف قد اتفقا |
جاءت ونحن كقلب الصبّ حين سلا |
|
بردا فصرنا كقلب الصّبّ إذ عشقا |
ـ وقال آخر :
ربّ ليل كأنه أملى فيك وقد رحت عنك بالحرمان
ـ وقول الصاحب حين أهدى العطر إلى القاضي أبي الحسن :
يا أيها القاضي الذي نفسي له |
|
في قرب عهد لقائه مشتاقه |
أهديت عطرا مثل طيب ثنائه |
|
فكأنما أهدى له أخلاقه |
ومثل هذا في أشعارهم كثير لا يحصى والذي يجمع بين هذا وبين القواعد العقلية أن هذه الاشياء المعقولة لتقررها في الذهن وتخيلها في العقل ، صارت بمنزلة المحسوسات ، فلما نزلت منزلة المحسوسات صح التشبيه وقويت ، وصار المعقول للمبالغة أثبت في النفس وأقوى من المحسوس ، فصار لذلك أصلا يشبّه به. ومن هذا قوله تعالى : ( طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ ) ولهذا قال امرؤ القيس يشبه نصول الرماح :
ومسنونة زرق كأنياب أغوال
فإنهم وإن كانوا لم يشاهدوا الغول وأنيابها لكنهم لما اعتقدوا فيها أي في أنيابها غاية الحدّة حسن التشبيه ، والصحيح أن المحسوس أعرف من التشبيه بالوصف المعقول لثلاثة أوجه. الأول أن أكثر الغرض من التشبيه التخييل الذي يقوم مقام التصديق في الترهيب والترغيب والخيال أقوى على ضبط الكيفيات المحسوسة منه على الأمور الاضافية.