والحاصل : أنّ اقتضاء النهي الفساد تارة يأتي من طريقة التخصيص وتلك خارجة عن المبحث ، وأخرى يأتي من طريقة أنّ النهي بنفسه يوجب فساد المنهي عنه عبادة كان أو غيرها ، سواء كان في قبال ذلك النهي أمر أو لم يكن ، وهذه هي محلّ البحث فيما نحن فيه. ومسألة الأمر الشمولي يكون الفساد فيها من ناحية الطريقة الأولى أعني طريقة التخصيص ، من دون فرق في صورة الأمر الشمولي بين كون النهي تحريميا وكونه تنزيهيا. وحينئذ فلا يتوجّه عليه شيء ممّا في الحاشية من أنّه لا فرق بين النهي التنزيهي والنهي التحريمي (١).
نعم ، يتوجّه عليه أنّ النهي كما يخصّص العموم الشمولي فيحكم بالفساد لأجل التخصيص ، فكذلك يقيّد الاطلاق فيحكم بالفساد لأجل التقييد. لكن جوابه واضح ممّا تقدّم ، فإنّه لو لا دلالة النهي على سلب الملاك الموجب للفساد لا يكون في البين تقييد تعارضي ، وإنّما أقصى ما في البين أن يكون تقييد عقلي ناشئ من عدم القدرة ، وحينئذ فالتقييد الشرعي متوقّف على كون النهي سالبا للملاك الذي هو عبارة أخرى عن الفساد.
ومن ذلك يتّضح لك أنّه لا يتوجّه عليه ما في الحاشية من قوله : وأمّا كون التعارض بين دليلي الأمر والنهي متوقّفا على دلالة النهي على الفساد فلا مورد له أصلا (٢).
نعم يتوجّه على ذلك أنّ مثل قوله صلّ ولا تصلّ في الدار المغصوبة متعارضان ، فإنّ الأمر ولو كان بدليا يكون في ذلك الفرد معارضا ومنافيا للنهي عنه ، لا من جهة اقتضاء النهي للفساد ، بل لو لم نقل بالفساد أو لم يكن الفعل
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٢٠١.
(٢) المصدر المتقدّم.