الحكم فيها بالفساد مقدّم رتبة على ارتكاب التخصيص ، بتقريب : أنّ أوّل ما يصنعه النهي في ذلك هو جعل الصلاة في ذلك المكان غير مقدورة شرعا ، وبذلك ينصرف الأمر عن ذلك الفرد ، وينحصر امتثاله بحكم العقل فيما عدا ذلك الفرد من الأفراد ، ويكون هذا المقدار من قبيل التخصيص العقلي غير الموجب لفساد ذلك الفرد ، لامكان تصحيحه بالملاك أو بالترتّب أو بما أفاده المحقّق الثاني (١) من كون الانطباق قهريا والامتثال وجدانيا ، ثمّ بعد ذلك ننظر في حال ذلك النهي ، وأنّه مولوي نفسي ناشئ عن مفسدة إمّا غالبة على صلاح أصل الطبيعة أو موجبة لارتفاع أصل المصلحة ، وأيّا ما كان يكون ذلك موجبا لسقوط الأمر ملاكا ، كما كانت العملية الأولى موجبة لسقوطه خطابا ، وذلك عبارة أخرى عن الفساد ، وبذلك يكون قوله لا تصلّ في الدار المغصوبة مخصّصا لقوله صلّ ، أو مقيّدا له.
فقد ظهر أنّ هذه الصورة تكون عملية التعارض والتخصيص متأخرة عن عملية الحكم بفساد العبادة الآتي من ناحية نفس النهي ، فتكون هذه الصورة داخلة فيما نحن فيه.
أمّا الصورة الثالثة والرابعة وهما ما لو كان الأمر شموليا والنهي تحريميا أو كان تنزيهيا ، فحيث إنّ الأمر فيهما متوجّه إلى خصوص ذلك الفرد الذي هو مورد النهي ، فأوّل عملية تحصل من النهي هي رفعه الأمر في مورده ، لا من جهة عدم القدرة فقط ، بل من جهة عدم إمكان اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد.
وهذا بخلاف الصورة السابقة ، لما عرفت من إمكان بقاء الأمر متعلّقا بالطبيعة ، غايته أنّه لعدم المقدورية يحكم العقل بانحيازه إلى ما عدا ذلك الفرد
__________________
(١) تقدّم في الصفحة : ١٨٤.