الرتبة على الضدّ الآخر ] هذا كلّه في مقام الثبوت.
وأمّا مقام الاثبات فإنّا إذا نظرنا إلى عبادة ، وشككنا في صحّتها مع قطع النظر عن تعلّق النهي بها ، نقول إنّها إن كان لها عموم أمر يشملها حكمنا بصحّتها ، وإن لم يكن حكمنا بفسادها استنادا إلى أصالة الفساد. ثمّ إذا ورد دليل يدلّ على النهي عن تلك العبادة حكمنا بفسادها ، لكشف ذلك النهي عن عدم ملاك الأمر فيها ، أو عن غلبة ملاك النهي فيها على ملاك الأمر ، وإلاّ لم يعقل تعلّق النهي بها ، وحينئذ يكون ذلك النهي بالنسبة إلى ذلك العموم مخصّصا ، وبالنسبة إلى الأصل حاكما على حذو حكومة الدليل الاجتهادي على الأصل العملي.
ومن ذلك كلّه يظهر لك الاستغناء عن الاستدلال على اقتضاء النهي الفساد في العبادة بطريق المبغوضية المانعة من إمكان التقرّب ، فإنّ هذا الاستدلال وإن كان صحيحا إلاّ أنّ تلك الطريقة كافية عنه. مضافا إلى ما عرفت فيما تقدّم (١) من أنّ هذه الطريقة إنّما تجري بعد ثبوت كون الفعل منهيا عنه ، وما دام العموم باقيا بحاله لا يدع مجالا لاثبات كون الفعل منهيا عنه ، وحينئذ تكون هذه الطريقة متأخرة رتبة عن التخصيص ، فيكون الفساد مستندا إليه لا إليها.
ولا يخفى أنّ هذه الطريقة أعني طريقة التخصيص لا تتوقّف على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد ، وإن كان الأمر كذلك عندنا ، إلاّ أنّ الطريقة المذكورة تتمّ حتّى عند القائلين بعدم التبعية ، إذ يكفي في التعارض والتخصيص مجرّد التنافي بين الأمر والنهي ، ومع التخصيص الواقعي تكون تلك العبادة غير مأمور بها واقعا ، فلا يمكن تصحيحها. وأمّا دعوى تصحيحها بالملاك فإنّما هو على تقدير القول بالملاكات والمصالح والمفاسد ، ولا تتأتّى على قول المنكرين
__________________
(١) راجع الصفحة : ٢٠١ ( الجهة الثالثة ).