ثمّ إنّه قدسسره استشكل في ذلك بأنّ هذه الحرمة لمّا كان الملاك فيها هو عدم العلم بالوجوب ، كانت متأخرة رتبة عن ذلك الوجوب ، وحيث قد اختلفت الرتبة فيهما فلا مانع من الجمع بينهما. وكأنّه قدسسره قد سلّم هذا الإشكال لكنّه سلك للحكم بالفساد من طريق آخر غير طريقة التخصيص وتلك الطريقة هي طريقة القبح الفاعلي. فكأنّه قدسسره أعرض عن طريقة المنافاة بين الحكمين الموجبة للتخصيص ، وأثبت الفساد من ناحية القبح الفاعلي ، هذا.
ولكن لا يخفى أنّ هذه الطريقة ـ أعني طريقة القبح الفاعلي ـ لا تتوقّف على تلك المقدّمات التي حرّرها ، بل يكفي فيها مجرّد قبح التشريع عقلا ، الموجب للقبح الفاعلي المانع من التقرّب ، هذا.
مضافا إلى أنّه قدسسره لا داعي له إلى الاعراض عن طريقة التخصيص ، بل هي جارية فيما نحن فيه ، فإنّه بعد فرض كون معروض الحرمة الشرعية التشريعية هو الفعل الخارجي ، وأنّها غير مقصورة على الفعل القلبي ، يكون مورد كلّ من الوجوب الواقعي والحرمة التشريعية هو ذلك الفعل الخارجي. ومجرّد اختلافهما في الرتبة لكون الحرمة التشريعية معلّقة على عدم العلم بالوجوب الواقعي ، الذي هو متأخر رتبة عن الوجوب الواقعي ، لا ينفع في رفع التنافي بينهما ، وإلاّ لصحّ اجتماع الوجوب مع الحرمة المعلّقة على العلم بذلك ، لأنّها حينئذ مثلها في التأخر الرتبي ، إذ كما أنّ عدم العلم بالوجوب الواقعي متأخر رتبة عن نفس الوجوب ، فكذلك العلم بذلك الوجوب يكون متأخرا عنه.
اللهمّ إلاّ أن يفرق بين الصورتين بقبح الثانية ، لكونها موجبة للتناقض في نظر المكلّف ، بخلاف الأولى. لكن هذا لا يدفع الإشكال من الناحية التي نحن فيها وهي التناقض بين الوجوب الواقعي وبين الحرمة الواقعية ، سواء كانت