الأولى : هي ما تعرّض له من الفرق بين الأحكام الشرعية والعقلية فيما يعود إلى الجهل والعلم.
الثانية : هي ما تعرّض له من الفرق بين هذا النحو من الأحكام العقلية ممّا هو قابل للتصرّف والحكم الشرعي على طبقه ولو بقاعدة الملازمة ، وبين ما هو غير قابل لذلك ، كحكمه بحسن الاطاعة وقبح المعصية ، وكحكمه بحجّية العلم.
الجهة الثالثة : هي ما تعرّض له من الفرق بين حرمة التشريع عقلا وشرعا وبين غير التشريع من موارد سائر الأحكام العقلية وما يتبعها من الأحكام الشرعية ، كقبح ارتكاب الضرر بالنفس وحرمته ، في كون الأوّل لا مورد فيه للتعبّد بالأصل في الجملة ، بخلاف الثاني.
أمّا الكلام في الجهة الأولى فحاصله : هو أنّ حكم العقل بحسن بعض الأفعال في قبال حكم الشرع بإيجابها ، وحكمه بقبح بعض الأفعال ويقابله حكم الشرع بحرمتها ، فإنّ الايجاب والتحريم لاحقان للفعل الذي تعلّقا به وإن كان الفاعل له جاهلا به أو بحكمه الواقعي ، بخلاف الحسن والقبح فإنّهما إنّما يلحقانه بشرط العلم به والإقدام عليه اختيارا من الفاعل ، ليكون موردا لحكم العقل بحسن فعله واستحقاقه المدح عليه ، أو بقبح فعله واستحقاقه الذمّ عليه. فمن أضرّ غيره جاهلا بذلك الضرر لم يحكم العقل بقبح فعله ، وإن كان ذلك الفعل منه محرّما في الواقع غايته أنّه معذور فيه. وهكذا في من فعل الإحسان إلى الغير جاهلا بأنّه إحسان واجب ، فإنّه قد فعل واجبا شرعيا ، لكنّه لا يحكم العقل على ذلك الفعل منه بالحسن ، ولا باستحقاق المدح عليه.
وهذا الفرق واضح في الجملة لا غبار عليه ، نعم في اتّصاف الفعل بكونه في الواقع واجبا شرعا مع الجهل بوجوبه حكما أو موضوعا إشكال ، من جهة