الموجود في عالم المنطوق لزوما ذهنيا بيّنا بالمعنى الأخصّ ، خصوصا في مثل مفهوم حرمة الضرب بالنسبة إلى حرمة قول أف ، بل إنّ هذا اللزوم لزوم خارجي بين الحكمين.
وهكذا الحال في مفهوم الحصر ، مثل ما لو حصر جواز الفعل المحرّم في حدّ نفسه بصورة الاضطرار بمثل قوله : إذا اضطررت جاز لك شربه ، أو إنّما يجوز عند الاضطرار ، فإنّ هذا الحكم وهو الحكم بالجواز بنحو الحصر يلزمه واقعا انتفاء الجواز في غير المورد المحصور فيه. وهكذا سائر المفاهيم. ولا دخل لذلك باللزوم الذهني البيّن بالمعنى الأخصّ الذي هو مجرّد التلازم بين التصوّرين.
وبناء على هذا الذي حرّرناه يكون النزاع في أنّ الجملة هل لها مفهوم أو لا ، راجعا إلى أنّها هل تدلّ على خصوصية يكون تحقّق تلك الخصوصية في وعائها ملزوما لتحقّق المفهوم في وعائه.
ومن ذلك يظهر لك التأمّل فيما أفيد في الطبعة الجديدة بقوله : إنّ النزاع في حجّية المفهوم وعدمها إنّما هو نزاع في وجود المفهوم وعدمه لأنّ النزاع في الحقيقة إنّما هو في دلالة اللفظ عليه بنحو الالتزام وعدمها (١). وذلك لأنّ النزاع ليس في دلالة اللفظ على المفهوم ابتداء ، بل إنّما هو في دلالته على ما هو ملزوم ذلك المفهوم ، إذ بعد دلالته على الملزوم يكون لازمه الذي هو المفهوم متحقّقا قهرا. مثلا دلالة الجملة الفلانية على أنّ الجهة الفلانية علّة للحكم على نحو الانحصار يلزمه انتفاء ذلك الحكم عند انتفائها.
وإنّما نسمّي هذه الدلالة على الانتفاء عند الانتفاء لفظية باعتبار دلالته على
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٢٤٥.