فليس محلّ كلامنا إلاّ في مرحلة الدلالة اللفظية ، وهي أجنبية عن تلك المباحث البرهانية المنطقية ، ولأجل ذلك تكون القضية الشرطية التي يكون مقدمها معلولا للتالي خارجة عمّا نحن فيه من دلالة الشرط على تقييد الحكم ، وتكون داخلة في الاستدلالات البرهانية وإن كانت في حدّ نفسها موجبة للانتفاء عند الانتفاء ، حيث إنّ انتفاء المعلول يكشف عن انتفاء علّته ، إلاّ أنّ هذه القضية بالخصوص لا تكون مسوقة إلاّ لاستكشاف تمامية العلّة من وجود المعلول ، على وجه يجعل انتفاء العلّة التي هي الجزاء كاشفا عن عدم المعلول الذي هو الشرط ، لما ذكروه من أنّ القياس الاستثنائي يكون وضع المقدّم فيه منتجا لوضع التالي ، ورفع التالي منتجا لرفع المقدم.
هذا هو الذي يتوخّاه المنطقيون من القضايا الشرطية ، وأين هذا ممّا نتوخّاه نحن من القضايا الشرطية ، أعني ادّعاء ظهورها في كون الشرط قيدا للحكم في ناحية الجزاء ، وأنّ مقتضى كونه قيدا فيه هو انتفاؤه عند انتفائه بعد إثبات كونه من القيود المنحصرة ، وقد شرحنا هذه القيدية في محلّه من بحث الواجب المشروط (١) ، وقلنا إنّ المراد بها هو الاناطة ، أعني إناطة الحكم في ناحية الجزاء بتقدير وجود الشرط ، فليس ذلك من قبيل القيود الاصطلاحية النحوية. هذا هو الذي يريده شيخنا قدسسره ، وليس غرضه من اخراجها ممّا نحن فيه هو أنّ نفي المعلول الواقع في ناحية الشرط لا يدلّ على نفي العلّة الواقعة في ناحية الجزاء.
وإن شئت فراجع ما حرّره عنه المرحوم الشيخ محمّد علي. وأوضح منه ما
__________________
(١) في المجلّد الثاني من هذا الكتاب ، الصفحة : ٣٣ وما بعدها ، وراجع أيضا الصفحة : ٢٧ ـ ٢٨.