وبالجملة : أنّ مناط الكسر والانكسار والتزاحم في مقام الجعل والتشريع إن كان هو عدم القدرة وكون ذلك على نحو الدوام فهو متحقّق في كلّ من البابين ، وكذلك الحال لو كان مناطه هو التدافع بين إرادة الفعل وإرادة تركه ، فإنّه أيضا متحقّق في إرادة أحد النقيضين وإرادة نقيضه الآخر (١) في زمان واحد ، لتدافع الارادتين الناشئ عن تدافع متعلّقيهما.
وأجاب قدسسره حينما عرضت ذلك بخدمته بما حاصله حسبما حرّرته عنه قدسسره بأنّ التزاحم الواقع فيما نحن فيه في مقام الجعل والتشريع كان بين الفعل والترك ، وفي سائر المستحبّات كان بين الأفعال المتضادّة ، وحيث إنّ استحباب أحد الفعلين لا يمنع من تركه والاشتغال بضدّه الذي هو مستحبّ آخر لم يكن بين الاستحبابين تناف ، بخلاف ما لو كان أحدهما وجوبيا فإنّه بعد فرض أنّ الزمان لا يسع إلاّ أحدهما وكان وجوب أحدهما مانعا من الاشتغال بالآخر كان موجبا لسدّ باب امتثاله ، سواء كان الآخر واجبا أو كان مستحبّا ، انتهى. هذا حاصل ما فهمته منه قدسسره حسبما ما حرّرته.
وشرح ذلك هو أنّ الفعل والترك وإن كان كلّ واحد منهما مشتملا على المصلحة إلاّ أنّ مجرّد المصلحة لا يكفي في جعل الحكم على طبقها ما لم تكن موجبة لرجحان ذيها على عدمه ، حيث إنّ الارادة الشرعية كالتكوينية لا يعقل أن تتعلّق بشيء ما لم يكن وجوده أرجح من عدمه في نظر المريد ، ولأجل ذلك ذكروا أنّ الممكن ما دام متساوي الطرفين لا يوجد إلاّ إذا كان وجوده أرجح من عدمه ، وحينئذ نقول : إنّ كلّ واحد من الفعل والترك إذا كان ذا مصلحة فإن كان مصلحة فعله أرجح من مصلحة عدمه تعلّق الأمر به ، ولا يمكن في هذه الصورة
__________________
(١) [ هكذا في الأصل ، ولعلّ المناسب : أحد الضدّين وإرادة ضدّه الآخر ].