الثاني قدسسره (١) لا يجري في الأفراد الطولية كما في مزاحمة الأمر بالصلاة مع الازالة ، وإنّما يجري في الافراد العرضية كما فيما نحن فيه من مزاحمة الأمر بالصلاة مع النهي عن الغصب بناء على الجواز من الجهة الأولى.
وبيان ذلك : أنّ ملخّص مسلك المحقّق لمّا كان مبنيا على كون المانع من التكليف بغير المقدور ليس هو محالية التكليف الذي هو عبارة عن عدم صدور الارادة وتعلّقها بما لا يكون ، بل كان مبنيا على أنّ المانع منه هو قبح التكليف وإيجاب غير المقدور ، لكونه مستدعيا للعقاب على تركه مع فرض كون فعله غير مقدور فيكون العقاب على تركه ظلما ، وحينئذ نقول : إنّ الفرد المزاحم بتكليف آخر ليس هو بنفسه محطّ التكليف والعقاب على تركه ، بل إنّ محطّ التكليف إنّما هو نفس الطبيعة ، وهي في حدّ نفسها مقدورة ولو في ضمن الافراد الأخر السالمة من تلك المزاحمة فلا يكون مانع من الأمر بالطبيعة ، وبعد فرض تعلّق الأمر بها لو أتى المكلّف بها في ضمن ذلك الفرد المبتلى بالمزاحم يكون انطباقها على ذلك الفرد انطباقا قهريا ، إلى آخر الجمل الثلاث أعني كون الانطباق قهريا والامتثال وجدانيا والاجزاء عقليا.
والسرّ في ذلك : هو أنّ ذلك الفرد لم يكن قد تعلّق به الايجاب الحتمي ، ولم يترتّب العقاب على ترك ذلك الفرد بخصوصه ، وإنّما كان مركز ذلك جميعه هو الطبيعة نفسها ، غايته أنّ المكلّف بسوء اختياره جاء بها في ضمن ذلك الفرد غير المقدور شرعا ، فلا مانع من شمول الطبيعة له ، إذ ليس في ذلك تحتيما لما هو غير المقدور ولا ترتّب عقاب على ترك ذلك الفرد بخصوصه ، وإنّما التحتّم والعقاب على أصل الطبيعة والمفروض أنّها في حدّ ذاتها مقدورة ولو في الافراد
__________________
(١) جامع المقاصد ٥ : ١٣ ـ ١٤.