وحينئذ لا بدّ من التشبّث بوحدة الارادة مع الاعتراف بتعدّد الجهة الفاعلية التي هي جهة الاصدار المعبّر عنها بالمعنى المصدري ، إذ لا ريب في وحدة الارادة وإن كان المراد متعدّدا ذاتا وصدورا وفاعلية ، وهذه الوحدة في مقام الارادة هي المانعة من إمكان التقرّب ، إذ لا يمكن أن تكون تلك الارادة الواحدة المتعلّقة بالفعلين صادرة بداعي القرب فلا يكون الامتثال مقدورا ، ولا يمكن تأتّي الترتّب كما لا يمكن أن يتأتّى فيها التقرّب.
ولو قلنا إنّ هذه الارادة الواحدة منحلّة إلى إرادتين لكونها منبسطة على الفعلين لم يكن ذلك نافعا في إمكان التقرّب ، لعدم إمكان التقرّب بتلك الارادة وإن كانت منحلّة بدقّة النظر إلى إرادتين ، بل لو لم يكن إلاّ إرادة تلك الصلاة الخاصّة لم يمكن التقرّب بها لأجل ما اشتملت عليه من الخصوصية ، حتّى أنّه لو أمر بمقابلة زيد مثلا واتّفق أنّ مقابلته كانت مستلزمة لاستدبار المصحف وقلنا إنّه حرام مثلا ، وحينئذ يكون مثاله الأوضح أنّه لو صلّى وكان خلفه مصحف لم تصحّ صلاته لأنّه لا يمكنه التقرّب بتلك الصلاة التي اتّفق أنّها موجبة لاستدبار المصحف ، ويكفي في الحرمة والبطلان علمه بذلك وإن لم يكن مريدا قصدا لاستدبار المصحف.
ومن ذلك ما ذكره في العروة في مسألة ٥ من أنّ المحمول إذا تحرّك بحركات الصلاة يوجب البطلان وإن كان شيئا يسيرا (١) ، فإنّ الحركات خارجة عن أفعال الصلاة وليست مركّبة منها لا اتّحاديا ولا انضماميا ، وإنّما تكون الصلاة فاسدة لما ذكرناه من أنّ الخصوصية مانعة من قصد التقرّب فتأمّل جيّدا.
وأنت إذا عرفت ذلك وأنّه ليس في البين إلاّ وحدة الارادة تعرف أنّ المقام
__________________
(١) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ٢ : ٢٣١.