وكأنهم يريدون بصياغة الأمور على هذا النحو الإيحاء بأن ذلك قد كان بسبب الضرورة ، حيث لم يكن ثمة مخرج إلا ذلك ، مع أن المخرج موجود ، بمرأى منهم ومسمع وهو الأخذ بقول النبي «صلى الله عليه وآله» فيما يرتبط بالتمسك بالعترة.
فإنهم سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ، وهم أحد الثقلين ، اللذين لن يضل من تمسك بهما.
١٧ ـ رأي الصحابي أقوى في رأي غيره :
قد عرفنا : أن بعض الصحابة يصدرون فتاوى لم يستندوا فيها إلى آية ولا إلى رواية ، وإنما هو الرأي منهم ، وهو قد يخطئ ويصيب ، وصار يناقض بعضهم بعضا أحيانا ، بل قد نجد التناقض في آراء الصحابي الواحد.
يقول البعض : إن الصحابة كانوا يغيبون عن مجلس النبي «صلى الله عليه وآله» ، فكانوا يجتهدون فيما لم يحضروه من الأحكام ، ولعدم تساوي هؤلاء المجتهدين في العلوم والإدراكات ، وسائر القوى والملكات ، تختلف ـ طبعا ـ الآراء والإجتهادات ، ثم تزايدت تلك الإختلافات ، بعد عصر الصحابة (١).
فكان لا بد من علاج هذه الحالة ، وتلافي سلبياتها ، فكان أن اخترعوا لنا دعوى : «أن قول الصحابي إن كان صادرا عن الرأي ؛ فرأيهم أقوى من رأي غيرهم ؛ لأنهم شاهدوا طريق رسول الله «صلى الله عليه وآله» في بيان
__________________
(١) راجع : الخطط والآثار للمقريزي ج ٢ ص ٣٣٢ وتاريخ حصر الإجتهاد ص ٩٠ و ٩٢.