وينزل الجميع ذلك المكان ، ويفرح كلٌ بلقاء الآخر ، ويعرف العباس نيّة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في وجهه ذلك ، فيرسل بركائبه إلى المدينة وقد مرّ منا أنّه وصل إلى المدينة قبل خروج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى فتح مكة اعتماداً على حديث ابن عباس في الصوم في السفر (١) ومهما يكن فقد أنتظم هو وبعض بنيه في سلك النفر المجاهدين ، ويعود إلى مكة مع أبن أخيه قاصداً حرب قريش الّذين نكثوا العهد ونقضوا الأيمان ، فانقطعت العصمة فحلّ للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يخرج إليهم بذلك الجيش.
وكان للعباس رضياللهعنه مقامه في جيش المسلمين ، وإن ذكر الصفوري : انّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عقد له راية سوداء كما أنّ راية الأنصار كانت في ذلك اليوم صفراء (٢). ولا أكاد أصدقه في ذلك ، نعم كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يشاور عمه مع المشيرين وكان عبد الله بن عباس رضياللهعنه زعيم هذه السيرة في المسيرة من بين أخوته الّذين رجعوا مع أبيهم إلى مكة بصحبة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو يومئذٍ بعدُ لم يبلغ الحلم ، إذ كان له من العمر أحد عشرة سنة. كما أنّ بيعته للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كانت في ذلك السنّ ، فقد ذكر أنّه لم يبايع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم طفلٌ غيره وغير الحسنين عليهماالسلام وغير ابن جعفر (٣).
وعلى هذا يمكننا أن نعتبر أنّ اولى صفحات تاريخ حياته ذات الدلالة تبدأ من هذا الحين ، وإن سبق القول حكاية دخول الإسلام بيته بمكة ، إلّا أنّه لم يكن قد رأى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فأبتدأ يحضر عند الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ويشاهد مجالسه ، ومن ثَمّ يحدّث
_______________________
(١) سيأتي في شواهد ومشاهد برقم ١١.
(٢) نزهة المجالس للصفوري ١ / ١١٢.
(٣) عمدة الطالب / ٣٦ ط النجف في ذكر عبد الله بن جعفر وقد وَهَم ابن ظفر المكي في كتابه أنباء نجباء الأبناء / ٨١ ، فعدّ مكان ابن جعفر عبد الله بن الزبير ، ولم أجد فيما رأيت من المصادر فعلاً من ذكره ، والثابت المشهور ما ذكرناه.