وما أبعد هذا كله ممّا رواه المقدسي في كتابه : « إنّ العباس رضياللهعنه كان قصيراً » (١) ، ولعل مراده : كان قصيراً بالنسبة إلى أبيه حيث كان إلى منكبه كما تقدم ، وفات المقدسي التنبيه على ذلك.
وعلى أيّ فأنّ صفات الحبر ابن عباس رضياللهعنه الجسمية كانت موروثة عن آبائه فجلهم كان موصوفاً بالجمال والكمال لأنهم على حدّ ما جاء في الحديث الشريف المروي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : (من أتاه الله وجهاً حسناً ، واسماً حسناً ، وجعله في موضع غير شائن له من الحسب ، فهو من من صفوة خلقه) (٢) ، ولا شك أنّ بني هاشم هم الصفوة كما مرت الأشارة إلى ذلك ويأتي فابن عباس رضياللهعنه من سادات بني هاشم وقد حاز تلك الصفات الثلاث على النحو التالي :
فأمّا الوجه الحَسَن : فقد كان جميلاً مشرقاً حتى قال عطاء بن يسار : « ما رأيت البدر إلّا ذكرت وجه ابن عباس رضياللهعنه لحسنه وجماله وبهائه » (٣).
وأمّا الأسم الحَسَن : فقد كان أسمه عبد الله ، والذي سماه بذلك هو رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كما مرّ في حديث ولادته ، والعبودية لله منتهى الفخر والشرف حتى قدّمت على الرسالة كما في ذكر التشهد في الصلاة وغيره.
وأمّا حسَبَهُ : فقد كان في موضع من الشرف لا يضاهيه فيه إلا مَن كان يماثله من أسرته. وناهيك به أنه من بني هاشم الذين أختارهم الله من خلقه كما قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (خير العرب مضر ، وخير مضر بنو عبد مناف ، وخير بني عبد
_______________________
(١) البدء والتاريخ ٥ / ١٠٥ ط أوربا ، وقد نسب إلى أبي سهل البلخي وهو للمقدسي.
(٢) ربيع الأبرار (مخطوط) باب الخلق وصفاتها نسخة الرضوية والأوقاف ببغداد ١ / ٨٥٠ ط بغداد.
(٣) تاريخ الإسلام للذهبي ٣ / ٣١ ، والبداية والنهاية ٨ / ٣٠٦ ، وخلاصة تهذيب الكمال / ٢٠٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي وغيرها.