خبر آخر فإنّ ذلك يجب العمل به ، لأنّه من الباب الّذي عليه الإجماع في النقل ، إلّا أن تعرف فتاويهم بخلافه فيترك لأجلها العمل به. وإن كان هناك ما يعارضه فينبغي أن ينظر في المتعارضين فيعمل على أعدل الرواة في الطريقين ، وإن كانا سواء في العدالة عمل على أكثر الرواة عددا ، وإن كانا متساويين في العدالة والعدد وهما عاريان من جميع القرائن الّتي ذكرناها نظر ، فإن كان متى عمل بأحد الخبرين أمكن العمل بالآخر على بعض الوجوه وضرب من التأويل كان العمل به أولى من العمل بالآخر الّذي يحتاج مع العمل به إلى طرح الخبر الآخر ، لأنّه يكون العامل به عاملا بالخبرين معا ، وإذا كان الخبران يمكن العمل بكلّ واحد منهما وحمل الآخر على بعض الوجوه من التأويل وكان لأحد التأويلين خبر يعضده أو يشهد به على بعض الوجوه صريحا أو تلويحا أو لفظا أو دليلا وكان الآخر عاريا من ذلك كان العمل به أولى من العمل بما لا يشهد له شيء من الأخبار ، وإذا لم يشهد لأحد التأويلين خبر آخر وكان متحاذيا كان العامل مخيّرا في العمل بأيّهما شاء ، وإذا لم يمكن العمل بواحد من الخبرين إلّا بعد طرح الآخر جملة لتضادّهما وبعد التأويل بينهما كان العامل أيضا مخيّرا في العمل بأيّهما شاء من جهة التسليم. ولا يكون العاملان بهما على هذا الوجه إذا اختلفا وعمل كلّ واحد منهما على خلاف ما عمل عليه الآخر مخطئا ولا متجاوزا حدّ الصواب ، إذ روي عنهم عليهمالسلام أنّهم قالوا : إذا ورد عليكم حديثان ولا تجدون ما ترجّحون به أحدهما على الآخر ممّا ذكرناه كنتم مخيّرين في العمل بهما ، ولأنّه إذا ورد الخبران المتعارضان وليس بين الطائفة إجماع على صحّة أحد الخبرين ولا على ابطال الخبر الآخر فكأنّه إجماع على صحّة الخبرين ، وإذا كان إجماعا على صحّتهما كان العمل بهما جائزا سائغا. وأنت إذا فكّرت في هذه الجملة وجدت الأخبار كلّها لا تخلو من قسم من هذه الأقسام ، ووجدت أيضا ما عملنا عليه في هذا الكتاب وفي غيره من كتبنا في الفتاوى في الحلال والحرام لا يخلو من واحد من هذه الأقسام (١) انتهى كلامه أعلى الله مقامه.
__________________
(١) الاستبصار ١ : ٣ ـ ٥.