كما يشمل القياس والاستحسان والاستصحاب وأشباهها يشمل الاستنباطات الظنّية من كلام الله وكلام رسوله ، مع أنّ الظنّ غير حاصل على مذهب الخاصّة في كثير من تلك المواضع كما سنحقّقه ، وإنّما يحصل على مذهب العامّة. والصريحة (١) في أنّه يجب التوقّف عند الشبهات المتعلّقة بنفس أحكامه تعالى. والصريحة في أنّ ما عدا القطع شبهة. والصريحة في أنّه لا يجوز الإفتاء والقضاء إلّا لرجل يعضّ في العلم بضرس قاطع. والروايات الصريحة في أنّ في كلّ واقعة حكم الله واحد وانّ من أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية وأثم. وفي أنّ المفتي المخطئ ضامن ولحقه وزر من عمل بفتياه *.
______________________________________________________
* قد ادّعى المصنّف في هذا المقام دعاوي كثيرة وأسند التصريح بها إلى الأئمّة عليهمالسلام ويبعد التصريح منهم بصورة ما نقله عنهم عليهمالسلام وإن كان في خلال كلامهم ما يشير بظاهره إلى شيء من ذلك. وما ذكره عنهم عليهمالسلام أخيرا ممّا يفيد جواز الإفتاء والقضاء لمن يعضّ على العلم بضرس قاطع صريح في جواز الاجتهاد ، وهو مخالف لدعواه ، والأصحاب يشترطون في الاجتهاد الواجب الاتّباع ذلك وزيادة ، ولا يجوّزون خلافه ، والمصنّف لم يتنبّه لذلك حين أورده على عادته من عدم الالتفات إلى ما ينقض آخر كلامه أوّله.
وقوله : « انّ ما عدا القطع شبهة » إن كان من كلامه فلا عبرة به ، وإن صحّ أنّه من كلام الإمام عليهالسلام فكلّ شيء يحتمل خلاف ظاهره ولا مرجّح فالأغلب عند المجتهدين التوقّف في حكمه وأمرهم بما يمكن الاحتياط به ، فلا خروج لهم بذلك عن قول الإمام. وأمّا ما يترجّح فيه الحكم ويقوى فيه الظنّ فهو خارج عن « الشبه » المأمور بالتوقّف عندها ولو حملنا الشبهة المذكورة على وجه العموم المخالف للقطع لوجب التوقّف في مسائل الاصول والفروع إلّا ما ثبت بالضرورة من الدين ، لأنّ أيّ مسألة أو رواية ينتفي الاحتمال المنافي العقلي أو العادي عنها ولو كان ضعيفا؟
ثمّ إنّه لا يخفى أن كلّ من تأمّل كلام الأئمّة عليهمالسلام في هذا الباب عرف أنّ هذا الذمّ والتقبيح صريح في أنّ المراد به مفتية زمانهم وقضاته من المخالفين ، لكثرتهم واشتهار الاختلاف في فتواهم واعتمادهم على الرأي والقياس والاستحسان الناشئ عن الميل من غير اعتماد في ذلك
__________________
(١) عطف على قوله : الصريحة في أنّ كلّ طريق ....