ففي نهج البلاغة : ومن كلام له عليهالسلام في ذمّ اختلاف العلماء في الفتيا : ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ، ثمّ ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها على خلاف قوله ، ثمّ تجتمع القضاة بذلك عند إمامهم الّذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعا ، وإلههم واحد ونبيّهم واحد وكتابهم واحد ، أفأمرهم الله سبحانه وتعالى بالاختلاف فأطاعوه؟ أم نهاهم عنه فعصوه؟ أم أنزل الله تعالى دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه؟ أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى؟ أم أنزل الله سبحانه وتعالى دينا تامّا فقصّر الرسول صلىاللهعليهوآله عن تبليغه
______________________________________________________
كلّه على أصل ثابت.
ومن جملة هفوات المصنّف الناشئة عن سوء الفهم : أن يشبّه ظنّ المجتهد المحقّ بهذه التخيّلات الفاسدة حتّى يدخله في جملتها ، ليحقّ له ردّه والنهي عنه ، والحال أنّ ظنّ المجتهد الإمامي الّذي يكون قد استفرغ وسعه في إرادة الهداية إلى الصواب وبذل جهده بالقوّة الإلهية الّتي قد ثبت اتّصافه بها ، وقد ثبت له الإذن في ذلك بوجوه عديدة وأدلّة قطعيّة ، كيف يتساوى ظنّه على هذه الحالة بظنّ المعتمد على الرأي والقياس والاصول الفاسدة؟ ويلزم من فسادها فساده. وما يؤكّد ما أشرنا إليه من حمل كلام الأئمّة إذا حصل شيء منه عليه : أنّه لم يكن في زمن الأئمّة عليهمالسلام من مجتهدي الإماميّة من يتصوّر الإشارة بذلك إليه ، وكلامهم عليهمالسلام مشير إلى الأمر الواقع من الاختلاف وارتكاب غير طريق الحقّ وتقبيح خصوص هذا الاجتهاد ، والمصنّف كأنه يحمله على ما يأتي من الغيب في توفيق الله بإيجاد شخص مؤيّد من عنده بالمعرفة والإلهام يحكم بتحريم الاجتهاد وخطأ صاحبه واثمه وردّ الناس عن هذه الضلالة العامّة لامّة محمّد صلىاللهعليهوآله بعد انغماسهم فيها في هذا الزمن الطويل ، فتكون هذه الأدلّة مخبيّة له ومخفيّة عن غيره بالحكمة الإلهية ، ولم يظهر لهذا السرّ الخفيّ وإبرازه والإعلان به و [ لا ] يكون له أهلا غير ذاته الشريفة المؤيّدة بالتأييد الإلهي ، كما يصرّح به من أنّ ما اعتقده أمر من الله عند سبحانه ومن عند الأئمّة عليهمالسلام به في هذا الخصوص. وهذا الجهل والوهم الّذي أوجب لنا التشاغل بالكلام على هذه التخيّلات الواهية ، خوفا من سريان هذا الاعتقاد إلى غبيّ جاهل يسيء اعتقاده في الماضين ويغيّره عن اتّباع حقّ المتأخّرين ، وإلّا كان التشاغل بغيرها أولى. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.