ومن خطبته عليهالسلام : وما كلّ ذي قلب بلبيب ، وما كلّ ذي سمع بسميع ، ولا كلّ ذي ناظر ببصير ، فيا عجبا! وما لي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها ، لا يقتصّون أثر نبيّ ولا يقتدون بعمل وصيّ ، ولا يؤمنون بغيب ولا يعفون عن عيب ، يعملون في الشبهات ويسيرون في الشهوات ، المعروف فيهم ما عرفوا والمنكر عندهم ما أنكروا ، مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم وتعويلهم في
______________________________________________________
بخصوصه ، لأنّ اهتمامه عليهالسلام بشيعته وأوليائه أظهر من أن يبيّن ، فإذا ذمّ غيرهم هذا الذمّ العنيف على الّذي وقع منهم واحتمل وقوع مثله من شيعته كانوا أولى بالتصريح والتحذير ؛ على أنّه لا استبعاد في صحّة هذا الدليل ، فلا يتوجّه عليه ما يتوجّه على المحكوم بفساده ويظهر صاحبه للناس أنّه جازم به وقاطع بحكمه وهو في نفسه عالم بفساده ، وهذا هو المعنيّ بكلام الإمام عليهالسلام فأين هذا ممّا أشار به إليه؟ مع حصول اتّفاق الامّة من العامّة والخاصّة أنّ ظنّ المجتهد بعد استفراغ الوسع وحصول الشرائط المعتبرة يكون في حقّه وحقّ مقلّده هو الّذي كلّفه الله تعالى باتّباعه والعمل به بطريق القطع بذلك ، وهذا لا ينافي أصل الظنّ بالحكم ، وقد نقلنا عن رئيس الطائفة رحمهالله أنّه قال : يجب أن يعلم أن الظنّ يكون طريقا إلى العلم في مواد (١) كثيرة ، وقال في مثل ذلك : إنّه لا فصل ـ أي للمصلّي ـ بين أن يظنّ جهة القبلة أو يعلمها في وجوب التوجّه إليها. وذكر أيضا لذلك أمثلة عديدة ، ثمّ قال بعد ذلك : وهذه الجملة إذا تؤمّلت بطل بها قول من أنكر تعلّق الأحكام بالظنون (٢) إلى آخر كلامه ممّا نقلناه عنه فيما تقدّم.
والمصنّف رحمهالله يجترئ على الإقدام على القطع بهذه الخيالات الفاسدة ويتمسّك بها ، ولا تزيده إلّا غلطا وجرأة على العلماء ونسبة القبيح وغير الجائز إليهم ، وما كان أغناه عن هذا وهو يعتقد الأخذ بظاهر القرآن والحديث بعد قوله تعالى : ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) وكم من فساد واضح ومنكر جليّ اشتهر وظهر ولم يمكّن أمير المؤمنين ولا أحد من الأئمّة بعده تغييره ولا تبديله حتّى يقوم القائم ، فهلّا كان المصنّف يتأسّى بهم في الإعراض عن ذلك وتركه وإن كان بحسب اعتقاده أنّه منكر! وهذا الّذي يسيء الظنّ به : من أنّ الداعي إليه وجوه اخر ، نعوذ بالله من تصوّرها! فضلا عن الاعتماد في الفعل عليها.
__________________
(١) كذا ، والظاهر : موارد.
(٢) عدّة الاصول ٢ : ٦٥٤ ـ ٦٥٥.