أن لا يمهّد لأهل زمان الغيبة الكبرى مرجعا يرجعون إليه في عقائدهم وأعمالهم ـ ما سوى الامور الّتي هي شغل الإمام مثل إجراء الحدود ـ فعلم أنّ لنا كتبا ممهّدة من جهة الأئمّة عليهمالسلام بأمر الملك العلّام.
ومن أنّ أسباب قطعنا بأحكامهم وأحاديثهم عليهمالسلام كثيرة وافرة * من جملتها :
______________________________________________________
* إنّ ما أورده من الأحاديث كلّها مؤدّاها ومفادها الرجوع إلى أحاديثهم وشريعتهم إمّا بالعلم أو الظنّ عند عدم التمكّن من العلم ، وهذا لا نزاع فيه إلّا من المصنّف. والّذي يدلّ على ذلك أمرهم عليهمالسلام بالرجوع إلى من روى حديثهم ونظر في حلالهم وحرامهم ، فإنّ من المعلوم أنّه ليس المراد من ذلك أن يكون المرجوع إليه لا بدّ أن يعرف كلّ حديث في الأحكام وكلّ حلال وحرام ، للعلم بتعذّر ذلك على كلّ أحد غيرهم عليهمالسلام.
وقد روى الصدوق في من لا يحضره الفقيه رواية أبي خديجة بسند صحيح عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة سالم بن مكرم ، وفيها بعض مغايرة لما ورد هنا ، إلّا أنّ فيها « انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا ، فاجعلوه بينكم فإنّي قد جعلته قاضيا تحاكموا إليه » (١) فعلم من ذلك أنّه يكفي في الحاكم هنا أن يعرف شيئا منهما ، ولم يقيّدوا في ذلك حكم الحاكم أن لا يحكم إلّا بعد العلم بما يحكم به عنهم ويقطع بنصّهم عليه ، وإن لم يتيسّر له ذلك لا يجترئ على الحكم لظنّه أنّه غير خارج عن حكمهم عليهمالسلام بل أطلقوا له الحكم وأمروا بالرضا بقبوله وحذّروا من ردّه ، وهو يقتضي أن يكون إذنهم له أن يحكم بما تصل إليه معرفته وقدرته من علم أو استنباط يؤدّي إليه رجحان ظنّه أنّه من حكمهم عليهمالسلام ولا يخرج عن مذهبهم. وكما أنّه ليس في الأخبار تصريح بجواز اتباع الظنّ الحاصل من ظاهر أو أصل أو اشتراط أن تكون الرواة المتّبعون أصحاب الملكة المعتبرة في المجتهد ـ على ما زعمه المصنّف ـ كذلك ليس فيها ما ينفي ذلك.
وما نقله عن الفضلاء من زعمهم أنّ المراد من تلك الأحاديث المجتهدون وجعله منهم من باب الغفلة ، فالعقل والاعتبار يقتضي صحّة ما ذكروه ، لأنّ إطلاق الأمر في الرجوع في المسائل والأحكام إلى من نصّوا عليه بقول مطلق في كلّ ما يسأل عنه يقتضي ذلك ، لأنّ معرفة دلالة الحديث وصحّته وموادّ الخطأ فيه وسلامته من احتمال خلاف الظاهر وصحّة متنه وعدم وجود ما ينافيه لا يتأتّى لغير من لم يحصّل مرتبة الاجتهاد ، ولا يؤمن على غيره الغلط والخطأ وحمل
__________________
(١) الفقيه ٣ : ٣ ، الرقم ٣٢١٦.