وقسم حاصل من طلب الله تعالى والعمل بالظنّ ، ومدّعاك القسم الثاني ودليلك يدلّ على القدر المشترك ، فلو تمّ دليلك يلزم تحقّق القسم الثاني في أهل الفترة.
والوجه الثاني أيضا مردود لما سنحقّقه ، ومن تأمّل في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) (١) وفي نظائره يقطع بأنّه تعالى مهّد طريقة كلّ من سلكها نجا من الغلط والخطأ ، وتلك الطريقة التمسّك بأصحاب العصمة في كلّ ما يحتاج إليه من العقائد والأعمال ، والتوقّف عند عدم الظفر بكلامهم عليهمالسلام ومن المعلوم : أنّ من لم يسلك هذه الطريقة ما استفرغ وسعه.
ثمّ أقول : إن شئت تحقيق المقام بما لا مزيد عليه فاستمع لما نتلو عليك من الكلام بتوفيق الملك العلّام ودلالة أهل الذكر عليهمالسلام.
فنقول : الاختلاف في الفتاوى قسمان :
أحدهما : أن يكون سببه اختلاف ما بلغهم من الروايات.
ومن المعلوم أنّ هذا النوع من الاختلاف لا يؤدّي إلى تناقض ، لابتناء أحد القولين على ما ورد من باب التقية ـ كما حقّقه رئيس الطائفة قدسسره وقد مرّ توضيحه (٢) ـ والاختلافات الواقعة بين قدمائنا الأخباريّين وأصحاب الأئمّة عليهمالسلام من هذا القبيل ، كما تقدّم نقله عن رئيس الطائفة.
وثانيهما : أن يكون سببه غير ذلك من الاستنباطات الظنّية.
ومن المعلوم : أنّه لم يرد إذن من الله تعالى في ذلك ، بل تواترت الأخبار عن الأئمّة الأطهار بأنّ المفتي المخطئ ضامن ويلحقه وزر من عمل بفتياه (٣) وقال الله تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) (٤).
ومن المعلوم : أنّ كلّ حكم تحتاج إليه الامّة قد أنزله الله في كتابه لكن لا تبلغه عقول الرجال ، وقد بيّنه النبيّ صلىاللهعليهوآله لامّته وبيّنه أمير المؤمنين عليهالسلام كذلك.
ومن المعلوم : أنّه لا اختلاف فيما أنزل الله تعالى كما مرّ بيانه سابقا ، فكلّ من اختلف في الفتوى ولم يكن سببه ابتناء أحد قوليه على حديث وارد من باب التقية
__________________
(١) العنكبوت : ٦٩.
(٢) انظر ص ٩٦.
(٣) راجع ص ١٩٣.
(٤) المائدة : ٤٤.