يكون حاكما بغير ما أنزل الله *.
______________________________________________________
* إنّه ليس للمصنّف مجال في الاعتذار عن اختلاف العلماء المتقدّمين إلّا سبب التقيّة ، ونسب ذلك أيضا بغير الواقع إلى رئيس الطائفة رحمهالله والحال أنّا سابقا نقلنا كلامه رحمهالله في العدّة وأنّه جعل الاختلاف الّذي حصل دليلا على اتّفاقهم على العمل بخبر الواحد الموجب للظنّ ، وبسبب ذلك حصل الاختلاف ، وأنّه لو كانت تلك الأخبار كلّها صحيحة ثابتة بالتواتر والقرائن المفيدة للعلم لما حصل اختلاف ، وقد أشرنا إلى أنّ التقيّة لا يجوّزها العقل إلّا في أماكن نادرة ، كما إذا كان السائل عامّي المذهب ويحتاج إلى اتّقائه ، أو السائل غيره ولكن كان في المجلس أو من يسمع من يتّقى منه ، حتّى لو كان حينئذ السائل من الشيعة أو السامع لزم على الإمام عليهالسلام من باب الرحمة واحتمال الوقوع في خلاف الحقّ والإغراء بالجهل أن ينبّهه على ذلك بكلّ ما أمكن. ولو وقع مثل هذا من واحد منّا لما حسن منه من غير تنبيه ، فكيف من مثل الأئمّة عليهمالسلام؟ وكيف يليق بعاقل أن ينسب إلى الأئمّة عليهمالسلام أمرهم لأجلّاء أصحابهم بتدوين أحاديث المذهب مع أحاديث العامّة في أصل واحد؟ ليكون ذلك سببا للإغراء بارتكاب غير الحقّ والعمل به ، لخفائه عن المكلّفين حيث لم يقع التمييز بينهما في تلك الاصول. ولا مجال لأن يكون سببه التقيّة ، لأنّها لا تحصل بذلك مع إثبات الجهتين ووضوح التضادّ والتخالف بينهما.
وكذلك القول في أصحابهم إذا كان تدوينهم الاصول من أنفسهم بغير أمر الأئمّة أو علمهم عليهمالسلام لأنّهم من الأجلّاء وإذا كان لهم طريق سليم من الاشتباه وإيقاع الغير في الخطأ فلا يجوز لهم ارتكاب ما يخالف ذلك ، فعلم أنّ الاختلاف إنّما نشأ من اشتباه الصحيح والضعيف واختلاف المذاهب واندراس الاصول الصحيحة الّتي عرضت عليهم عليهمالسلام كما حصل في الإخبار عن النبيّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ من كثرة الكذب فيها في حياته صلىاللهعليهوآله فضلا عمّا وقع بعد مماته ، والحال واحد ولم يجئ في الآثار عنهم عليهم امتناع ذلك في أحاديثهم ، بل ورد عنهم ما يصرّح بوقوع ذلك من قول الصادق عليهالسلام : « إنّ لكلّ رجل منّا رجلا يكذب عليه » (١) فالحمل على ذلك أنسب من الحمل على التقيّة ؛ على أنّه ليس في كلّ خلاف يناسب المقام فيه الحمل على التقيّة. والمصنّف معذور في التجائه إلى هذه الحجّة الواهية لترويج دعواه.
وأمّا ما استدلّ به المصنّف من ضمان الحاكم ومن الحكم بغير ما أنزل الله ، فهو مخصوص
__________________
(١) الكشّي : ٣٠٥ ، الرقم ٥٤٩.