وأقول : يمكن أن يقال : الجماعة الّتي وقع منهم القسم الثاني من الاختلاف ـ وهم جماعة قليلة نشئوا في زمن الغيبة الكبرى ، أوّلهم : الأقدمان ابن الجنيد وابن أبي عقيل فيما أظنّ ، ثمّ بعدهما نسج على منوالهما الشيخ المفيد ثمّ ابن إدريس الحلّي ، ثم العلّامة الحلّي ، ثمّ من وافقه من المتأخّرين ـ معذورون من جهة غفلتهم عن أنّ سلوك طريقة الاستنباطات الظنّية مناقض لما هو من ضروريات مذهبنا من أنّه صلىاللهعليهوآله بعد ما جاء في كلّ واقعة تحتاج إليها الامّة إلى يوم القيامة بحكم وخطاب قطعي وقد أودع كلّ ما جاء به عند الأئمّة عليهمالسلام أمر الناس بسؤالهم في كلّ ما لا يعلمون والردّ إليهم والتمسّك بكلامهم عليهمالسلام * وهم عليهمالسلام مهّدوا اصولا لرجوع الشيعة إليها ، لا سيّما في زمن الغيبة الكبرى.
______________________________________________________
بالّذي يجترئ على الحكم من رأيه من غير دليل مأذون من أصحاب الشرع في اتّباعه والتعويل عليه. وإذا سلّمنا أنّ لله تعالى في كلّ مسألة حكما واحدا لا يختلف ـ كما هو قول بعضهم ـ واجتهدنا غاية الاجتهاد فلم نحصل العلم بذلك كان ذلك الظنّ بعد الاجتهاد كما أفاده كلام المحقّق رحمهالله.
* سلّمنا أنّ الاختلاف نشأ من ابن الجنيد وابن أبي عقيل ، والاختلاف الّذي نشأ في زمان الأئمّة والمذاهب الّتي اختلفت والأحاديث الّتي وردت عنهم عليهمالسلام من المدح والقدح معا في حقّ أجلّاء أصحابهم وغيرهم ممّا لا يحتمل التقيّة في أغلبها من أيّ سبب نشأ؟ وقد قدّمنا ما ورد عنهم عليهمالسلام من شكاية بعض أصحابهم للصادق عليهالسلام ممّا يقع بين أصحابه من الاختلاف ، فوافقه على ذلك وذمّهم على ما أوجب لهم هذا الاختلاف ، فكيف يدّعي المصنّف حدوث الاختلاف وينسب العلماء الأجلّاء المتقدّمين والمتأخّرين إلى الغفلة وتقليد المتأخّرين للأوّلين في ذلك حيث نسجوا على منوالهم؟ مع أنّ ذلك غير جائز لهم. هذا مع اتّساع علومهم واطّلاعهم وقربهم من زمن الأئمّة عليهمالسلام بحيث لو تعمّر المصنّف أضعاف أعمارهم ما اطّلع ولا وصل إلى قليل ممّا عرفوه وأدركوه وتنبّهوا إليه. ومن أين علم المصنّف أنّ طريق الاستنباطات الظنّية الّتي قد صار الإجماع والاتّفاق عليها من المؤالف والمخالف مناقض لما هو من ضروريّات مذهبنا؟ بعد ما تبيّن عدم إمكان العلم في جميع المسائل والأحكام وجواز خفاء بعض أدلّة المسائل وإمكان عدم وصوله إلينا بطريق القطع والعلم ، وذلك لا ينافي وجودها في نفسها ولا يستلزمه.