ومن القسم الثاني من الاختلاف (١) ذهاب شيخنا المفيد ـ قدّس الله سرّه ـ إلى جواز التمسّك بالاستصحاب في نفس أحكامه تعالى وفي نفيها ، وقد مرّ توضيحه في مسألة من دخل في الصلاة بتيمّم لفقد الماء ثمّ وجد الماء في أثنائها (٢) وذهابه إلى أنّه من دخل في الصلاة بتيمّم ثمّ سبقه الحدث فأصاب ماء يتوضّأ ويبني ، بخلاف من دخل الصلاة بوضوء وسبقه الحدث فإنّه يتوضّأ ويستأنف الصلاة (٣) مع أنّه تواترت الأخبار بأنّ الحدث في أثناء الصلاة ينقضها (٤) والباعث له على ذلك أنّه كان في بعض الأحاديث لفظ « أحدث » فسبق ذهنه إلى حمله على وقوع الحدث من المصلّي وغفل عن احتمال أن يكون المراد مطر السماء ، بل هذا الاحتمال أظهر لفظا ومعنى ، كما حقّقناه في بعض كتبنا.
والسبب الّذي ذكره صاحب المعالم في صيرورة كثير من أحاديث أصحابنا مضمرا في تأليفات المتأخّرين بعد كونه غير مضمر في اصول قدمائنا من أنّه كانت عادة قدمائنا ذكر اسم الإمام المنقول عنه الحديث في أوّل الباب ثمّ ذكر الضمائر الراجعة إليه في سائر الأبواب ، فلمّا نقل المتأخّرون تلك الأحاديث إلى تأليفاتهم وغيّروا ترتيب الأحاديث والتزموا أن لا يتصرّفوا في عبارات القدماء أتوا بتلك
______________________________________________________
والوجدان أبين شاهد بذلك ، لأنّ المصنّف لم يصل إليه من الحديث غير الكتب المشهورة وقد وصلت إلينا ، وهي المعتمدة عنده المقطوع بصحّتها ، فما وجدنا فيها الدلالة على كلّ فرع ومسألة من فروع التكليف ، بل أغلب المسائل قد وقع فيها الاشتباه والحيرة بسبب عدم وجود حديث صحيح يدلّ على حكمها ، فأين تلك الأحاديث الّتي جاءت لاحتياج الامّة بحكم وخطاب قطعيّ في كلّ واقعة ولم تظهر عند الحاجة إليها؟ ولو كان خفاؤها لا يجوز في الحكمة لوجب ظهورها لكلّ محتاج ظهور الشمس من غير سؤال عنها. فعلم أنّ الشريعة لا يتوقّف على ذلك كما هو بحمد الله دين الحقّ واضح وشريعته لأهله من زمن الأئمّة عليهمالسلام إلى ظهور القائم عليهالسلام إن شاء الله تعالى ثابتة ، ولا يحتاج إلى استدراك ولا تجديد ، كما يدّعيه خيالات المصنّف وتصوّراته الواهية.
__________________
(١) وهو أن يكون سببه الاستنباطات الظنّية ، لا اختلاف الروايات.
(٢) مرّ في ص ٢٨٤.
(٣) المقنعة : ٦١.
(٤) راجع الوسائل ٤ : ١٢٤٠ باب بطلان الصّلاة بحصول شيء من نواقض الطهارة في اثنائها.