يوم « ألست بربّكم » (١) أو إلى ما يفهم من بعض الروايات : من أنّه إذا أراد الله تعالى تعلّق التكليف بأحد يلهمه بأنّه موجود وبأنّه واحد وبأنّه له رضى وسخط وبدلالات واضحة على ذلك (٢) وبأنّ مقتضى حكمته عزوجل أن يعيّن أحدا لتعليم الناس ما يرضيه وما يسخطه ، ثمّ يبلغه دعوى النبوّة والمعجزة على وفقها وما جاء به النبيّ صلىاللهعليهوآله من الواجبات والمحرّمات ، وحينئذ يتعلّق به التكليف لا قبله. ومن ثمّ وقع التصريح في مواضع من كتاب الكافي ـ منها باب الشكّ (٣) ومنها باب من يعبد الله على حرف (٤) ـ بأنّ بعض من بلغتهم الدعوة أقرّوا بالشهادتين باللسان وشكّوا في نبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله لا في التوحيد ، فإنّه دخلت معرفة التوحيد قلوبهم.
وثانيهما : عقليّ وهو أنّه من المعلوم : أنّ هذه التكاليف الظاهرية الشرعية مشتركة بين من يقدر على الأفكار والأنظار الّتي ذكرتها المعتزلة للخلاص عن شبهة لزوم إفحام الأنبياء عليهمالسلام وبين من لم يقدر ، فعلم أنّ مناط تعلّق التكاليف كلّها السماع من الشارع ، وعلم عدم استقلال العقل بتعلّق تكليف ، وعلم بطلان مذهب المعتزلة في هذه المسألة ، فمعنى الحديث الّذي ذكره ابن بابويه في مبحث القنوت : أنّه لم يتعلّق تكليف بأحد إلّا بعد بلوغ الخطاب *.
______________________________________________________
* الظاهر من الحديث : أنّ حجّة الله ـ سبحانه وتعالى ـ على عباده بأنّه أودع في كلّ مكلّف قوّة الإدراك والمعرفة وكمّلها بالعقل ، فلم يبق لمكلّف حجّة في الجهل بوجوده سبحانه وإدراك جلاله وكماله وما يصحّ عليه وما يمتنع. وهذا معنى الحديث بأنّ « كلّ مولود يولد على الفطرة » (٥) وقوّة المعرفة وضعفها منوطة بحسب حال المكلّف. وشاهد ذلك المشهور من دليل العجوز (٦).
وما يعتقده المصنّف ويستدلّ عليه من أنّ الإسلام والإيمان ومعرفة الله ليس في قدرة العبد وإنّما ذلك منحة من الله سبحانه وتعالى ـ ويعترض به على ما حصل عليه الاتّفاق من العلماء : أنّ المعارف الخمس واجبة على كلّ مكلّف وأنّها نظريّة من قدرة العبد ، ولا يجوز له التقليد فيها ،
__________________
(١) راجع الكافي ٢ : الباب ٣ و ٧٠ من أبواب كتاب الإيمان والكفر.
(٢) انظر التوحيد : ٣٩٩ ، ح ٤.
(٣) راجع الكافي ٢ : الباب ٣ و ٧٠ من أبواب كتاب الإيمان والكفر.
(٤) راجع الكافي ٢ : الباب ١٧٧ من أبواب كتاب الإيمان والكفر.
(٥) البحار ٣ : ٢٧٩.
(٦) إشارة إلى ما ورد عنه عليهالسلام من قوله : « عليكم بدين العجائز » البحار ٦٩ : ١٣٥ و ١٣٦.