فقالوا : قبحها ثابت بالعقل والعقاب يتوقّف على الشرع ، وهو الّذي ذكره أسعد بن عليّ الزنجاني من أصحابنا وأبو الخطّاب من الحنابلة وذكره الحنفيّة وحكوه عن ابي حنيفة نصّا ، وهو المنصور ، لقوّته من حيث الفطرة وآيات القرآن المجيد وسلامته من الوهن والتناقض.
فهاهنا أمران : أحدهما : ادراك العقل حسن الأشياء وقبحها. والثاني : أنّ ذلك كاف في الثواب والعقاب وإن لم يرد شرع ، ولا ملازمة بين الأمرين بدليل ( أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ ) أي بقبح فعلهم ( وَأَهْلُها غافِلُونَ ) أي لم يأتهم الرسل والشرائع ، ومثله ( لَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) أي من القبائح فيقولوا ( رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً ) (١) انتهى كلام الفاضل الزركشي.
السؤال الخامس
أن يقال : كيف عملكم معشر الأخباريّين في حديث ضعيف يدلّ على وجوب فعل وجوديّ؟
وجوابه أن يقال :
نوجب التوقّف (٢) عن تعيين أحد المحتملات ، ومصداقه في هذه المباحث أن لا يقع منه فعل أو قول أو ترك مبنيّ على القطع بأحد المحتملات بعينه ، ويجوز له أن يأتي بفعل أو قول أو ترك يجامع جميع المحتملات أو يجامع حال التردّد والشكّ فيها ، فإذا دار الفعل بين الوجوب والحرمة يجب عليه تركه ما دام كذلك ، وإذا دار بين الوجوب والندب والكراهة فله فعله بنيّة مطلقة وله تركه * ، ويجب السؤال والتفتيش عن الحكم ونحن معذورون ما دمنا ساعين (٣).
______________________________________________________
* بل الأولى في الجواب أن يقال : بعد العلم بضعف الحديث إن حصل معه مؤيّد ومرجّح عملنا به ، وإلّا رددناه بنصّ الكتاب الدالّ على عدم قبوله إذا علمنا عدم عدالة راويه. والتوقّف إنّما يكون مع تساوي الدليلين الواجب أو الراجح العمل بكلّ واحد منهما إن انفرد. والاحتياط
__________________
(١) شرح جمع الجوامع : لا يوجد لدينا.
(٢) في ط إضافة : بحسب الفتوى.
(٣) ط : مأمورون ساعون.