وتحقيق المقام : ما ذكرناه من أنّ الذاهل عن حكم الله تعالى حين هو كذلك لا يتعلّق بفعله خطاب تخييري ولا اقتضائي ، فلا يتصف بالحلّ الشرعي والإباحة الشرعيّة. نعم ، يتّصف بالإباحة الأصلية. وأمّا غير الذاهل عن حكم الله فيتّصف فعله بذلك ، سواء كان مضطرّا في فعله كأكل الميتة ، أو انتهى فعله إلى أمر لم يقصده كقتل الخطأ وسواء كان عالما بما هو حكم الله أو متحيّرا فيه.
ثمّ قال : (١) ومنها : ما لو أتلف الصبيّ أو المجنون مالا ، فعلى مغايرة الحكم الوضعي للشرعي لا إشكال فيتعلّق بهما الضمان ، لأنّ إتلاف مال الغير المحترم سبب في ضمانه والحكم الوضعي لا يعتبر في متعلّقه التكليف ، ولكن لا يجب عليهما أداؤه ما داما ناقصين ، لأنّ الوجوب حكم شرعي. نعم ، يجب على وليّهما دفعه من مالهما ، ولا فرق بين أن يكون لهما مال حال الاتلاف أو عدمه (٢) انتهى كلامه.
وأقول : قصده أنّه لا إشكال في أخذ « المكلّف » في تعريف الحكم الشرعي ، لأنّ الوضعي ليس من أفراد الحكم الشرعي ، فلا يتّجه أن يقال : تعريف الحكم الشرعي غير جامع.
ثمّ قال : ومنها : لو أودعا ففرّطا فإنّه لا ضمان ، لأنّ حفظ الوديعة غير واجب عليهما ، لأنّه من باب خطاب الشرع ، ولو تعدّيا فيها فأتلفاها أو بعضها ضمنا لما ذكرناه ، وفي هذين خلاف مشهور بين الأصحاب والموافق منه للقاعدة ما قرّرناه.
ومنها : ما لو جامع الصبيّ أو المجنون ، فإنّه لا يجب عليهما حينئذ الغسل ، لأنّه من باب خطاب الشرع أيضا ، ولكنّ الجماع من قبيل الأسباب الّتي يشترك فيها المكلّف وغيره ، فيجب عند التكليف عليهما الغسل بذلك السبب السابق إعمالا
______________________________________________________
في التعريف بالتكليف ـ كما هو المشهور ـ وقلنا : إن الوليّ هو المكلّف دخل خطاب الوضع في التعريف ، وإلّا احتجنا إلى إبدال « المكلّفين » بلفظ « العباد » وأدخلنا خطاب الوضع ضمنا في عموم الاقتضاء كما تقدّمت الإشارة إليه.
__________________
(١) الشهيد الثاني قدسسره.
(٢) تمهيد القواعد : ٣١.