توقيفيّة لا مباحث علميّة. ويدخل في اصول الفقه معرفة أحوالها عند التعارض وكثير من أحكامها.
ومن الإجماع والخلاف : أن يعرف أنّ ما يفتي به لا يخالف الإجماع ، إمّا بوجود موافق من المتقدّمين ، أو بغلبة ظنّه على أنّه واقعة متجدّدة لم يبحث عنها السابقون بحيث حصل فيها أحد الأمرين لا معرفة كلّ مسألة أجمعوا عليها أو اختلفوا.
ودلالة العقل من الاستصحاب والبراءة الأصليّة وغيرهما داخلة في الاصول. وكذا معرفة ما يحتجّ به من القياس ، بل يشتمل كثير من مختصرات اصول الفقه ـ كالتهذيب ومختصر الاصول لابن الحاجب ـ على ما يحتاج إليه من شرائط الدليل المدوّن في علم الميزان ، وكثير من كتب النحو على ما يحتاج إليه من التصريف. نعم ، يشترط مع ذلك كلّه أن يكون له قوّة يتمكّن بها من ردّ الفروع إلى اصولها واستنباطها منها. وهذه هي العمدة في هذا الباب ، وإلّا فتحصيل تلك المقدّمات قد صارت في زماننا سهلة ، لكثرة ما حقّقه العلماء والفقهاء فيها وفي بيان استعمالها ، وإنّما تلك القوّة بيد الله تعالى يؤتيها من يشاء من عباده على وفق حكمته ومراده ، ولكثرة المجاهدة والممارسة لأهلها مدخل عظيم في تحصيلها ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) (١) * وإذا تحقّق المفتي بهذا الوصف وجب على الناس الترافع إليه وقبول قوله والتزام حكمه ، لأنّه منصوب من الإمام عليهالسلام
______________________________________________________
* إنّ الّذي يتأمّل هذا الكلام يعلم أنّ الاجتهاد أعظم شروطه حصول القوّة الإلهيّة الّتي وعد الله بحصولها بعد المجاهدة وهي الهداية إلى الحقّ ، فكيف يتصوّر معها بطلان الاجتهاد والمؤاخذة عليه ووصف صاحبه بالكذب على الله ، كما يظهر من كلام المصنّف فيما يأتي. وفي الأحاديث المذكورة في تتمّة كلام الشهيد صراحة في الاكتفاء بالظنّ الحاصل للخصم من قول الحاكم من غير دلالة على أن يكون مستند الحاكم العلم أو الظنّ ، ولا على أنّ الحاكم لا يجوز له الحكم إلّا إذا استند فيه إلى نصّ صحيح ، بل ظاهره إذا وصل إلى الرتبة المذكورة صار له أهليّة الحكم بحيث لا تخرج عن اصول الأئمّة سواء كان بالاستنباط أو بغيره.
__________________
(١) العنكبوت : ٦٩.