يكن أعلمه ولا دلّ عليه وإن لم يكن لفعله العقاب صفة زائدة على حسنه ، وهي كونه مستحقّا ، وكذلك لا يقال في أفعال البهائم : إنّها مباحة لعدم هذين الشرطين ، ولأجل ذلك نقول : إنّ المباح يقتضي مبيحا والمحظور يقتضي حاظرا. وقد قيل في حدّ المباح : هو إنّ لفاعله أن ينتفع به ولا يخاف ضررا في ذلك لا عاجلا ولا آجلا ، وفي حدّ الحظر : إنّه ليس له الانتفاع به وإنّ عليه في ذلك ضررا إمّا عاجلا أو آجلا ، وهذا يرجع إلى المعنى الّذي قلناه.
فصل (١) في ذكر بيان الأشياء الّتي يقال إنّها على الحظر أو الاباحة والفصل بينهما وبين غيرها والدليل على الصحيح من ذلك.
أفعال المكلّف لا تخلو من أن يكون حسنة أو قبيحة ، والحسنة لا تخلو من أن يكون واجبة أو ندبا أو مباحا ، وكلّ فعل يعلم جهة قبحه بالعقل على التفصيل ، فلا خلاف بين أهل العلم المحصّلين في أنّه على الحظر ، وذلك نحو الظلم والكذب والعبث والجهل وما شاكل ذلك. وما يعلم جهة وجوبه على التفصيل ، فلا خلاف أيضا أنّه على الوجوب ، وذلك نحو وجوب ردّ الوديعة وشكر المنعم والإنصاف وما شاكل ذلك. وما يعلم جهة كونه ندبا ، فلا خلاف أيضا أنّه على الندب وذلك نحو الإحسان والتفضّل. وإنّما كان الأمر في هذه الأشياء على ما ذكرناه ، لأنّها لا يصحّ أن تتغيّر من حسن إلى قبح ومن قبح إلى حسن.
واختلفوا في الأشياء الّتي يصحّ الانتفاع بها هل هي على الحظر أو على الإباحة أو على الوقف؟ فذهب كثير من البغداديّين وطائفة من أصحابنا الإماميّة إلى أنّها على الحظر ، ووافقهم على ذلك جماعة من الفقهاء. وذهب أكثر المتكلّمين من البصريّين ـ وهو المحكيّ عن أبي الحسن وكثير من الفقهاء ـ إلى أنّها على الإباحة وهو الّذي يختاره سيّدنا المرتضى. وذهب كثير من الناس إلى أنّها على الوقف ، ويجوز كلّ واحد من الأمرين فيه وينتظر ورود السمع بواحد منهما. وهذا هو المذهب ، كان ينصره شيخنا أبو عبد الله رحمهالله وهو الّذي يقوى في نفسي. والّذي يدلّ
__________________
(١) استطراد قول الشيخ الطوسي.