في هذا الباب. فما استدلّ به من قال : إنّ الأشياء على الحظر قطعا ، أن قالوا : قد علمنا أنّ هذه الأشياء لها مالك ، ولا يجوز لنا أن نتصرّف في ملك الغير إلّا بإذنه ، كما علمنا قبح التصرّف فيما لا نملكه في الشاهد.
واعترض القائلون بالإباحة هذه الطريقة بأن قالوا : إنّما قبح في الشاهد التصرّف في ملك الغير لأنّه يؤدّي إلى ضرر مالكه ، بدلالة أنّ ما لا ضرر عليه في ذلك جاز لنا أن نتصرّف فيه ، مثل الاستظلال بفيء داره والاستصباح بضوء ناره والاقتباس منها وأخذ ما يتساقط من حبّه عند الحصاد ، وغير ذلك ، من حيث لا ضرر عليه في ذلك. فعلمنا أنّ الّذي قبح من ذلك إنّما قبح لضرر مالكه لا لكونه مالكا ، والقديم تعالى لا يجوز عليه الضرر على حال ، فينبغي أن يسوغ لنا التصرّف في ملكه.
ولمن نصر هذا الدليل أن يقول : إنّما حسن الانتفاع في المواضع الّتي ذكرتموها لا لارتفاع الضرر ، بل لأنّ هذه الأشياء لا يصحّ تملّكها ، لأنّ في الحائط ليس بشيء يملك إذا كان في طريق غير مملوك ، ومتى كان الفيء في ملك صاحبه قبح الدخول إليه ، وكذلك القول في المصباح ، فأمّا أخذ ما يتناثر من حبّه ، فلا نسلّم أنّه يحسن ، فكيف نسلّم وله أن يمنعه من ذلك وأن يجمعه لنفسه ، ولو كان مباحا لم يجز له منعه منه : على أنّ العلّة الّتي ذكروها من اعتبار دخول الضرر على مالكه كان ينبغي أن لا يسوغ له أخذ ما يتناثر من حبّه ، لأنّا نعلم أنّ ذلك يدخل عليه فيه ضرر وإن كان يسيرا ، فعلى المذهبين جميعا كان ينبغي أن يقبح ذلك ؛ على أنّ ذلك لو قبح لضرر لا لفقد الإذن من مالكه لكان ينبغي أن لو أذن فيه أن لا يحسن ذلك ، لأنّ الضرر حاصل. وليس لهم أن يقولوا : إنّه يحصل له عوض أكثر منه من الثواب أو السرور عاجلا ، وذلك إنّا نفرض فيمن لا يعتقد العوض على ذلك من الملاحدة ، وليس هو أيضا ممّا يسرّ به بل ربّما شقّ عليه واغتمّ به ، ومع ذلك حسن التصرّف منه إذا أذن فيه. وليس لأحد أن يقول : إنّ دليل العقل الدالّ على إباحة هذه الأشياء يجري مجرى إذن سمعيّ ، فجاز لنا التصرّف فيها. وذلك أنّ لمن نصر هذا الدليل أن يقول : لم يثبت ذلك ، ولو ثبت لكان الأمر على ما قالوه. ونحن نتّبع ما يستدلّ به أصحاب