مفسدة في الدين ، ولو كان كذلك لوجب على القديم تعالى إعلامنا ذلك ، فلمّا لم يعلمنا ذلك علمنا أنّها حسنة ، وقد مضى في دليلنا ما يمكن أن يكون كلامنا على هذه الشبهة ، وذلك أنّا قلنا : إنّ هذه الأشياء لا نأمن أن يكون فيها ضرر آجل ، وإذا لم يأمن ذلك قبح الإقدام عليها كما لو قالوا : قطعنا أنّ فيها ضررا.
وأجبنا عن قولهم : « إنّه لو كان فيها ضرر لكان ذلك لأجل المفسدة وذلك يجب على القديم إعلامنا إيّاه بأن قلنا : لا يمتنع أن تتعلّق المفسدة بإعلامنا جهة الفعل على وجه التفصيل ويكون مصلحتنا في الوقف والشكّ وتجويز كلّ واحد من الوجهين في الفعل ، وإذا كان ذلك جائزا لم يجب عليه تعالى إعلامنا ذلك وجاز أن يقتصر بالمكلّف على هذه المنزلة.
واستدلّوا أيضا بأن قالوا إذا صحّ أن يخلق تعالى الأجسام خالية من الألوان والطعوم فخلقته تعالى للطعم واللون لا بدّ أن يكون فيه وجه حسن ، ولا يخلو ذلك من أن يكون لنفع نفسه أو لنفع الغير أو خلقها ليضرّ بها ، ولا يجوز أن يخلقها لنفع نفسه لأنّه تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، ولا يحسن أن يخلقها ليضرّ بها ، لأنّ ذلك قبيح الابتداء به ، فلم يبق إلّا أنّه خلقها لنفع الغير ، وذلك يقتضي كونها مباحة.
والجواب عن ذلك من وجوه :
أحدها : أنّه إنّما خلق هذه الأشياء إذا كانت فيها ألطاف ومصالح وإن لم يجز لنا أن ننتفع بها بالأكل بل نفعنا بالامتناع منها فيحصل لنا به الثواب ، كما أنّه خلق أشياء كثيرة يصحّ الانتفاع بها ومع ذلك فقد حظرها بالسمع مثل شرب الخمر وأكل الميتة والزنا ، وغير ذلك. وليس لهم أن يقولوا : إنّ هذه الأشياء إنّما حظرها لما كانت مفسدة في الدين وأعلمنا ذلك ، وليس كذلك ما يصحّ الانتفاع به ولا يعلم ذلك فيه ، وذلك أنّا قد بيّنّا أنّه لا فرق بين أن يتعلّق المصلحة بإعلامنا من جهة الفعل من قبح أو حسن فيجب عليه أن يعلمنا ذلك ، وبين أن يتعلّق المصلحة بحال لنا يجوز معها كلّ واحد من الأمرين ، فيجب أن يقتصر بنا على تلك الحال ، لأنّ المراعى حصول المصلحة وإذا ثبت ذلك لحق ثبات ما علمنا قبحه على طريق القطع والثبات في أنّه