لا يحسن منّا الإقدام عليه.
ومنها : أنّ على مذهب كثير من أهل العدل إنّما خلق الطعوم والأراييح في الأجسام لأنّها لا تصحّ أن يخلو منها ، فجرت في هذا الباب مجرى الأكوان الّتي لا يصحّ خلوّ الجسم منها ، وخلق الجسم إذا ثبت أنّه مصلحة وجب أن يخلق معه جميع ما يحتاج إليه في وجوده.
ومنها : أنّ الانتفاع بهذه الأشياء قد يكون بالاستدلال بها على الله تعالى وعلى صفاته فليس الانتفاع مقصورا على التناول فحسب.
وليس لهم أن يقولوا : إنّه كان يمكن الاستدلال بالأجسام على وحدانيّة الله تعالى وعلى صفاته ، فلا معنى لخلق الطعوم ، وذلك أنّه لا يمتنع أن يخلقها لما ذكرناه وإن كان الجسم يصحّ الاستدلال به ويكون ذلك زيادة في الأدلّة.
ولسنا ممّن يقول : لا يجوز أن ينصب على معرفته أدلّة كثيرة ، لأنّا إن قلنا ذلك أدّى إلى فساد أكثر الأدلّة الّتي يستدلّ بها على وحدانيّة الله تعالى ، فإذا ينبغي أن يجوز أن يخلقها للاستدلال بها وذلك يخرجها عن حكم العبث ويدخلها في باب ما خلقت للانتفاع بها.
وليس لهم أن يقولوا : إذا صحّ الانتفاع من الوجهين بالاستدلال والتناول فينبغي أن يقصد به الوجهين ، وذلك أنّ هذا محض الدعوى لا برهان عليها ، بل الّذي يحتاج إليه أن يعلم أنّه لم يخلقها إلّا لوجه ، فأمّا أن يقصد بها جميع الوجوه الّتي يصحّ الانتفاع بها فلا يجب ذلك ؛ على أنّا قد بيّنا أنّه لا يمتنع أن يفرض في أحد الوجهين مفسدة في الدين ، فيحسن أن يخلقها للوجه الآخر ويعلمنا أنّ فيها فسادا في الدين متى تناولناها فيجب علينا أن نمتنع منها.
فإن قيل : إذا أمكن خلقها للوجهين ولم يقصدهما كان عبثا من الوجه الّذي لم يقصد الانتفاع به ، وجرى ذلك مجرى فعلين يقصد بأحدهما الانتفاع ولا يقصد بالآخر ذلك فيكون ذلك عبثا.
قيل له : ليس الأمر على ذلك ، لأنّ الفعل الواحد إذا كان فيه وجه من وجوه