وعلى الاحتياج إلى العلّة.
ولذلك اشتهر بين الحكماء : أمكن فاحتاج فوجب بالغير فوجد [ ولو قيل : عدم العالم بعد وجوده ينفي الإيجاب ، لكان أقرب إلى الصواب.
وبالجملة ، هنا احتمال ثالث غير الاحتمالين المشهورين بين القوم لربط الحادث بالقديم ، وهذا الاحتمال ممّا لا اعتبار عليه ] (١) وكلام أصحاب العصمة عليهمالسلام صريح في أنّ حقيقة التأثير إنّما هو الإخراج من العدم إلى الوجود أو حفظ الوجود بعد أن حصل ، وفي أنّه يمتنع إيجاد القديم.
[ وهذا يؤيّد ما ذكرناه : من توقّف الوجود المستفاد من الغير على القدم الأزلي ] (٢) وما اشتهر في كتب المتكلّمين والحكماء : من أنّه يمتنع توقّف وجود الشيء على عدمه ، فمعناه : أنّه يمتنع توقّف وجود الشيء في وقت على عدمه في ذلك الوقت بعينه. وإن عمّمت هذه المقدّمة صارت ممنوعة بل باطلة.
ومن المعلوم : أنّ العدم الأزلي لا يجوز أن يكون جزءا أخيرا من العلّة التامّة للمعلول الأوّل ، لأنّه قديم. لكن قد حقّقنا في بعض فوائدنا : أنّه كما ينتزع العقل الزمان من الحركة ، كذلك إذا لاحظنا صانع العالم ـ جلّ جلاله ـ ولاحظنا معه أنّه لا أوّل لوجوده تعالى وأنّه لا آخر له ننتزع منه أمرا ممتدّا غير قارّ الذات يشبه الزمان وليس بزمان ، و « الأزل » اسم للشقّ الماضي من ذلك الأمر الممتدّ ، و « الأبد » اسم للشقّ المستقبل منه و « السرمد » اسم لمجموعه.
فنقول في ربط الحادث بالقديم : إنّ حضور قطعة مخصوصة من ذلك الأمر الممتدّ هو الجزء الأخير من العلّة التامّة للمعلول الأوّل : وذلك إمّا لتوقّف المعلول الأوّل عليها بالطبع ، أو لاقتضاء المصلحة إيجاد المعلول الأوّل في تلك القطعة ، ولا ترتّب ولا تعاقب في نفس الأمر بين أجزاء ذلك الأمر الممتدّ الانتزاعيّ ، بل ننتزع أمرا ممتدّا مترتّب الأجزاء متعاقبها ، فترتّب الأجزاء وتعاقبها داخلان في نفس المنتزع وليسا من صفاته الّتي يتّصف بهما في نفس الأمر.
__________________
(١) ما بين المعقوفتين لم يرد في ط.
(٢) ما بين المعقوفتين لم يرد في خ.