تأثير الفاعل لاستمرّ العدم الأزلي للمعلوم الأوّل إلى الأبد من غير استناد إلى علّة. وبالجملة ، لربط الحادث بالقديم طرق :
الطريقة الاولى : ما ذكرت الفلاسفة من توسّط السلسلة الغير المتناهية المترتّبة المتعاقبة بين صانع العالم وبين الحوادث وهي الدورات الفلكيّة حيث قالوا : لو لا الحركة القديمة لما انحلّ إشكال ربط الحادث بالقديم.
والطريقة الثانية : ما ذكره السيّد الشريف في حاشية شرح الأصفهاني وتبعه مولانا ميرزا جان ومولانا عبد الله اليزدي وجماعة من توسّط السلسلة المترتّبة الغير المتناهية بينهما ، وهي تعلّقات إرادته تعالى لئلّا يلزم قدم العالم.
والطريقة الثالثة : ما اختاره الغزالي والمحقّق الطوسي والفاضل الدواني (١) وجماعة : من جواز تخلّف المعلول عن علّته التامّة إذا كان تأثير الفاعل تأثيرا اختياريّا لا طبيعيّا.
والطريقة الرابعة : ما اخترناها في أوائل أفكارنا من توسّط الأمر الممتدّ الغير القارّ الذات المنتزع من ذاته تعالى عند ملاحظة أنّه لا أوّل لوجوده ولا آخر.
والطريقة الخامسة : ما اخترناها بعد ذلك : من أنّ مضيّ قدر مخصوص من استمرار العدم الأزلي جزء أخير من العلّة التامّة لكلّ ممكن ، وهذا الجزء الأخير حادث غير محتاج إلى علّة ، لأنّ كلّ محتاج إلى علّة محتاج إلى تأثير الفاعل. صرّحت ببداهة المقدّمة الأخيرة جماعة منهم الفاضل الدواني. والأثر لا يكون إلّا موجودا صرّحت جماعة من المحقّقين ببداهة هذه المقدّمة في مبحث إثبات أنّ الماهيّات الممكنة مجعولة بجعل بسيط ، ولأنّه تقرّر عندهم أنّ معنى ترتّب عدم على عدم أمر عدم ترتّب وجود هذا على وجود ذاك ، ولأنّ التحقّق والتقرّر والحصول والشيئيّة والثبوت والكون ألفاظ لمعنى واحد مختصّ بالموجودات. جماعة صرّحوا بذلك ، منهم السيّد الشريف في حواشي شرح حكمة العين. ولا يتصوّر العلّية والمعلولية أي المعنى المصحّح لدخول الفاء بأن يقال : « وجد العلّة فوجد المعلول » إلّا في الأمر
__________________
(١) أغمضنا عن تخريج هذه الأقوال وما يأتي من الأقوال المنقولة في هذا المبحث ، لعدم توفّر مصادر أكثرها عندنا ، ولما لا نرى طائلا تحت هذه العمليّة وإن كان من متداول التحقيق.