الأصدقاء ـ أيّده الله تعالى بأحاديث أصحابنا ـ أيّدهم الله تعالى ـ وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضادّ حتّى لا يكاد يتفق خبر إلّا وبإزائه ما يضادّه ولا يسلم حديث إلّا وفي مقابلته ما ينافيه حتّى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا وتطرّقوا بذلك في إبطال معتقدنا ، وذكروا أنّه لم يزل شيوخكم السلف والخلف يطعنون على مخالفيهم بالاختلاف الّذي يدينون الله تعالى به ويشنّعون عليهم بافتراق كلمتهم في الفروع ، ويذكرون أنّ هذا ممّا لا يجوز أن يتعبّد به الحكيم ولا أن يبيح العمل به العليم ، وقد وجدناكم أشدّ اختلافا من مخالفيكم وأكثر تباينا من مباينيكم ، ووجود هذا الاختلاف منكم مع اعتقادكم بطلان ذلك دليل على فساد الأصل حتّى دخل على جماعة ممّن ليس لهم قوّة في العلم ولا بصيرة بوجوه النظر ومعاني الألفاظ شبهة ، وكثير منهم رجع عن اعتقاد الحقّ لما اشتبه عليه الوجه في ذلك وعجز عن حلّ الشبهة.
ومنها : ما ذكره في أواخر كتاب العدّة ـ وهو أحسن الكتب الاصولية الّتي
______________________________________________________
وكلام السيّد المرتضى ـ رضوان الله تعالى عليه ـ صريح في عدم تواتر ما في الكتب الأربعة وفي عدم العلم بصحّتها بالقرائن ، لأنّه لو كان ذلك لوجب عليه العمل بها كما عمل بما ثبت عنده ، وأكثر أقواله مخالفة لما فيها ، ويصرّح بأنّها خبر آحاد لا توجب علما ولا عملا.
وما نقله عن الشيخ الطوسي رئيس الطائفة ـ قدّس الله روحه ـ من انعقاد الإجماع على صحّة الأحاديث الّتي عليها فغير مسلّم ، وإنّما ذكر الإجماع للاستدلال به على جواز العمل بخبر الواحد ، حيث إنّه وجد الفرقة المحقّة مجمعة على العمل به ، وسيأتي بيان ذلك صريحا في محلّه.
والمصنّف يدّعي أنّ كلّ ما يحتاج إليه المكلّف من الاصول والفروع موجود في الأحاديث ، فإن كان ذلك في الأحاديث الّتي وصلت إلينا فمنعه ظاهر بالوجدان ، ولو كان الأمر كذلك لما احتاج الناس إلى الاجتهاد ، وإذا تتبّعت مسائل الاصول من مذهب السيّد المرتضى ومن تقدّم عليه أو تأخّر لا تجد فيه إلّا أدلّة العقل. اللهم إلّا أن كان نادرا ، ولو كان لهم دليل يعتمد عليه من النقل لما عدلوا عنه فكأنّ المتقدّمين لم يطّلعوا على ذلك ، وبقي الأمر بالحكمة مخفيّا ومستورا عنهم إلى أن جاء إبّان إظهاره للمصنّف واختصاصه به رحمهالله.