صنّفها الخاصّة ـ حيث قال في مبحث الاجتهاد : واعلم أنّ كلّ أمر لا يجوز تغيّره عمّا هو عليه من وجوب إلى حظر أو من حسن إلى قبح ، فلا خلاف بين أهل العلم المحصّلين أنّ الاجتهاد في ذلك لا يختلف وأنّ الحقّ فيه في واحد ، وأنّ من خالفه ضالّ فاسق وربّما كان كافرا ، وذلك نحو القول بأنّ العالم قديم أو محدث وإذا كان محدثا هل له صانع أم لا؟ والكلام في صفات الصانع وتوحيده وعدله والكلام في النبوّة والإمامة وغير ذلك ، وكذلك الكلام في أنّ الظلم والعبث والكذب قبيح على كلّ حال وأنّ شكر المنعم وردّ الوديعة والإنصاف حسن على كلّ حال ، وما يجري مجرى ذلك. وإنّما قالوا ذلك ، لأنّ هذه الأشياء لا يصحّ تغيّرها في نفسها ولا خروجها عن صفتها الّتي هي عليها. وأمّا ما يصحّ تغيّره في نفسه وخروجه من الحسن إلى القبح ومن الحظر إلى الاباحة ، فلا خلاف بين أهل العلم أنّه كان يجوز أن يختلف المصلحة في ذلك ، فما يكون حسنا من زيد يكون قبيحا من عمرو وما يقبح من زيد في حال بعينها يحسن منه في حالة اخرى ، ويختلف ذلك بحسب اختلاف أحوالهم وبحسب اجتهادهم. وإنّما قالوا ذلك ، لأنّ هذه الأشياء تابعة للمصالح والألطاف ، وما هذا حكمه فلا يمتنع أن يتغيّر الحال فيه ؛ ولهذه العلّة جاز النسخ ونقل المكلّفين عمّا كانوا عليه إلى خلافه بحسب ما يقتضيه مصالحهم ، إلّا أنّ مع تجويز ذلك في العقل هل ثبت ذلك بالشرع أم لا؟ فقد اختلف العلماء في ذلك ، فذهب أكثر المتكلّمين والفقهاء إلى أنّ كلّ مجتهد مصيب في اجتهاده وفي الحكم ، وهو مذهب أبي عليّ وأبي هاشم وأبي الحسن وأكثر المتكلّمين ، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه فيما حكاه أبو الحسن عنهم ، وقد حكى غيره من العلماء عن أبي حنيفة خلافه. وذهب الأصمّ وبشر المريسي إلى أنّ الحقّ في واحد من ذلك وهو ما يقولون به وأنّ ما عداه خطأ ، حتّى قال الأصمّ : إنّ حكم الحاكم ينقض به ، ويقولون : إنّ المخطئ غير معذور في ذلك إلّا أن يكون خطؤه صغيرا وأنّ سبيل ذلك سبيل الخطأ في اصول الديانات. وذهب أهل الظاهر فيما عدا القياس من الاستدلال وغيره إلى أنّ الحقّ من ذلك في واحد.