كأنّه يريد بلزوم العبادات العبادة المتعلّقة بنفسه من غير نظر إلى غيره ، وكذا بتجنّب المحرّمات وإن فهم ذلك المعنى من (صابِرُوا) باعتبار كونه من باب المفاعلة بين الاثنين كما أشار إليه قبله ، وكذا رابطوا فكأنّه حمله على المعنى الأعمّ المستفاد من معناه اللّغويّ وهو مشتقّ من الرباط والمرابطة وقيل معناه اصبروا على مشاقّ الطّاعات وما يصيبكم من الشدائد ، وصابروا أي غالبوا أعداء الله في الصبر على شدائد الحرب وأعدا عدوّكم في الصبر على مخالفة الهوى ، وتخصيصه بعد الأمر بالصبر مطلقا لشدّته ، ورابطوا أبدانكم وخيولكم في الثغور مترصّدين للغزو ، وأنفسكم على الطاعة كما قال النّبيّ صلىاللهعليهوآله الرباط انتظار الصلاة بعد الصلاة ، وعنه عليهالسلام : من رابط يوما وليلة كان كعدل صيام شهر وقيامه ، ولا يفطر ولا ينفتل عن صلاته إلّا لحاجة (١).
(إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٢)) تدلّ على الترغيب على السجدة ، والبكاء عند سماع آيات الله ، قالوا يستحبّ السجدة عند سماع هذه الآية ، وليست بمفهومة بخصوصها منها ، كأنّه من الإجماع والأخبار فتأمّل (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) : شرّا ، فيها دلالة على تحريم إضاعة الصلاة واتّباع الشهوات قيل المراد بالإضاعة تركها ، وقيل تأخيرها عن أوقاتها ، وفي آخرها ما يدلّ على قبول التوبة من التارك والتابع للشهوة مع العمل الصالح حيث قال (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) (٣).
__________________
(١) الدر المنثور ج ٢ ص ١١٣ ، أنوار التنزيل : ٨٩.
(٢) مريم : ٥٨ ، وما بعدها ذيلها.
(٣) نقل في النسخة المطبوعة بعد ذلك شطرا مما تقدم من كلامه في مبحث سجدة العزائم ص ١٣٣ أوله ، «ونقل في الكشاف وغيره» إلى قوله : «خائف مستجير» : وهو سهو.