من ابن إدريس أنّه قال بالتخيير لمن اتّقى النساء مطلقا والصيد كذلك أي جميع محرّماته مع أنّه ما يعمل إلّا بالمتواتر ، وما يخرج القرآن المتواتر من عمومه إلّا بدليل مثله ، وكذا عن صاحب مجمع البيان حيث قال فلا إثم عليه لمن اتّقى الصيد إلى انقضاء النفر الأخير وما بقي من إحرامه ، ومن لم يتّقه فلا يجوز له النفر الأوّل (١) فإنّ الظاهر أنّ الشرط إنّما هو الاتّقاء المتقدّم على النفر الأوّل إلى حصوله لا بعده ، وهو ظاهر ولا يدلّ عليه ما في صحيحة معاوية بن عمّار (٢) قال : ينبغي لمن تعجّل في يومين أن يمسك عن الصيد حتّى ينقضي اليوم الثالث ، ويمكن حملها على الاستحباب ويكون ذلك هو مراد مجمع البيان الله يعلم.
و (اتَّقُوا اللهَ) أي اجتنبوا معاصي الله (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أي تحقّقوا أنّكم بعد موتكم تجمعون إلى الموضع الّذي يحكم الله بينكم ، ويجازيكم على أعمالكم ، ففيه تحريص وترغيب وترهيب وتخويف.
السابعة: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (٣).
البيت في اللّغة هو المأوى والمنزل. والمراد هنا البيت الحرام أعني الكعبة والمثابة هنا الموضع الّذي يثاب إليه من ثاب يثوب مثابة ومثابا إذا رجع أو موضع الثواب أي يثابون لحجّة واعتماره كذا قال القاضي وهو صريح في نفي ما ذكره أوّلا من عدم الاستحقاق للثّواب بالعبادة ، وما يدلّ عليه من الآيات كثيرة ، فإنّ القرآن العزيز مملوّ به مثل «جزاء بما كنتم تعملون» وقلّما توجد صفحة في المصحف لم يكن فيها ما يدلّ عليه ، وكذا الأخبار النبويّة والإماميّة المتواترة ، بل العقل أيضا يدلّ عليه فتأمّل.
__________________
(١) راجع ج ٢ ص ٢٨٧ ـ ٢٨٩.
(٢) الفقيه : ج ٢ ص ٢٨٩.
(٣) البقرة : ١٢٥.