ولهذا كان بعض الأنبياء يخافون من الأعداء وهاجر نبيّنا صلىاللهعليهوآله من مكّة المعظّمة إلى المدينة المشرّفة ، وخاف موسى على نبيّنا وعليهالسلام من عصاه حتّى قيل له (لا تَخَفْ) (١) ونقل أنّه بعد ذلك أخذه بكمّه وغير ذلك ، ولهذا وجبت التقيّة.
وبالجملة عدم وجوب التوكّل بهذا المعنى الّذي فسّر بحسب الظاهر واضح بل معلوم كونه حراما إذا كان جهلا وإيقاعا في المهلكة ، فلا بدّ من التأويل إمّا بما مرّ ونحوه ، أو تخصيصه بالبعض على بعض الوجوه والأحوال والأزمان ، كما أشرنا إليه.
(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) في مجمع البيان : يعني الواثقين والمعتمدين عليه والمنقطعين إليه ، والواكلين أمورهم إلى لطفه وتدبيره ، ثمّ قال فيه : في هذه الآية دلالة على اختصاص نبيّنا صلىاللهعليهوآله بمكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال ، ومن عجيب أمره صلوات الله عليه وآله أنّه كان صلىاللهعليهوآله أجمع الناس لدواعي الترفّع ثمّ كان أدناهم إلى التواضع وذلك أنّه عليهالسلام كان [أوسط الناس نسبا وأوفرهم حسبا وأسخاهم وأشجعهم وأزكاهم وأفصحهم وهذه كلّها من دواعي الترفّع ، ثمّ كان] يرقّع الثوب ويخصف النعل ، ويركب الحمار ، ويعلف الناضح ، ويجيب دعوة المملوك ، ويجلس على الأرض ، ويأكل على الأرض (٢) ثمّ في الآية أحكام نقلناها لأجلها.
قال في مجمع البيان : وفي الآية ترغيب للمؤمنين في العفو عن المسيء وحثّهم على الاستغفار لمن يذنب منهم ، وعلى مشاورة بعضهم بعضا فيما يعرض لهم من الأمور ونهيهم عن الفظاظة في القول ، والغلظة والجفاء في الفعل ، ودعاهم إلى التوكّل عليه ، وتفويض الأمور إليه وفيها أيضا دلالة على القول باللطف لأنّه سبحانه نبّه على أنّه لو لا رحمته لم يقع اللين والتواضع ، ولو لم يكن كذلك لما أجابوه فبيّن أنّ الأمور المنفّرة منفيّة عنه ، وعن سائر الأنبياء ومن يجري مجراهم في أنّه حجّة على الخلق وهذا يوجب تنزيههم أيضا عن الكبائر لأنّ التنفير في ذلك أكثر انتهى كلامه رحمهالله ، وهو كلام حسن وكأنّه يريد بالترغيب الاستحباب
__________________
(١) القصص : ٢٥.
(٢) مجمع البيان ج ١ ص ٢٠٧.