والجملة قائمة مقام فاعل نزل ومضمونه نهي المؤمنين عن مجالسة المعاندين والمستهزئين وقت إظهار العناد والكفر والاستهزاء بالآيات من الكفّار ، فضمير (فَلا تَقْعُدُوا) للمسلمين ، و (مَعَهُمْ) و (يَخُوضُوا) للكفّار والمستهزئين (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) أي إن تقعدوا حينئذ معهم فأنتم مثل الكفّار والمستهزئين بآيات الله ، في الإثم ، إن قدرتم على المفارقة وعدم المجالسة معهم أو في الكفر والاستهزاء إن رضيتم بفعلهم فإنّ الجالس معهم الراضي بذلك الفعل ، مثل الفاعل ، فيقيّد بقوله إن كنتم راضين بذلك.
فهي صريحة في تحريم المجالسة معهم حين الكفر والاستهزاء ولا يبعد فهم تحريم تلك المجالسة مع كلّ فاسق حين فسقه ، مع القدرة على عدمها ، وعدم الضرر ، قال في مجمع البيان : ومتى كانوا راضين بالكفر كانوا كفّارا لأنّ الرضا بالكفر كفر ففيها دلالة على وجوب إنكار المنكر مع القدرة على ذلك وزوال العذر وأنّ من ترك مع القدرة عليه فهو مخطئ آثم وفيها أيضا دلالة على تحريم مجالسة الفسّاق والمبتدعين من أيّ جنس كانوا ، قال جماعة من المفسّرين ومن ذلك إذا تكلّم الرجل بكذب فيضحك منه جلساؤه فيسخط الله عليهم ، وروى العيّاشيّ بإسناده عن عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام في تفسير هذه الآية أنّه قال : إذا سمعت الرجل يجحد الحقّ ويكذّب به ويقع في أهله ، فقم عنه ولا تقاعده (١).
واعلم أنّ ظاهر الآية جواز مجالستهم بعد ذلك وعدم اتّصافهم به وإن كانوا كفّارا ومستهزئين لقوله (حَتَّى يَخُوضُوا) أي حتّى يشرعوا في حديث غير الاستهزاء لأنّه غاية للتحريم قال في الكشّاف فلا بأس أن تجالسهم حينئذ ، فلا يحرم مجالسة الفسّاق في غير وقت الفسق بالطريق الأولى وهو خلاف المشهور بين الفقهاء فإنّهم يقولون بتحريم الاختلاط مع الفسّاق ، ووجوب الاعراض عنهم ، لتحريم الميل إليهم ومودّتهم ومحبّتهم ، ولأن ينتهوا عنه ، ولكن يمكن أن يقال (حَتَّى يَخُوضُوا) علّة للنهي ، يعني لا تقعدوا معهم ، حتّى يتركوا ذلك ، فانّ الجلوس
__________________
(١) تفسير العياشي ج ١ ص ٢٨١.