فيها (عَفَا اللهُ عَنْها) يمكن كونها صفة أخرى لأشياء أي لا تسألوا عن الأشياء الّتي عفا الله عنها ، ولا تعاقبون عليها ، ولم تكلّفوا بها.
روي أنّه لمّا نزل (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) (١) قال سراقة بن مالك أكلّ عام؟ فأعرض عنه رسول الله صلىاللهعليهوآله حتّى أعاد ثلاثا فقال صلىاللهعليهوآله : لا ، ولو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت لما استطعتم ، ولو تركتم لكفرتم ، فاتركوني ما تركتم ، فنزلت فالالحاح في السؤال غير ممدوح ، بل ينبغي البناء على الظاهر ، وترك التدقيق المضرّ وقد يفهم ذلك من حكاية البقرة كما هي مذكورة في محلّها ويحتمل أن يكون ضمير «عنها» للمسئلة المفهومة من السؤال أي لا تسألوا وقد عفى عمّا فعلتم منها ، ولكن لا تعودوا فظاهرها أنّ السؤال المتقدّم بل السؤال مطلقا عن الأشياء الّتي يظنّ إن ظهر أنّ ظهورها يسوء للعموم حرام ، لأنّه ظاهر النّهي ، ويحتمل أن يكون للكراهة كما يفهم من الشرطيّتين ، ولا شكّ أنّ الاجتناب أحوط (وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) لا يعاجلكم بعقوبة ما تفرطون ، ويعفو عن كثير (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) (٢) الضمير للمسئلة المفهومة قيل (مِنْ قَبْلِكُمْ) متعلّق بسألها ، وليس بصفة لقوم ، ولا حال عنه ، لأنّ ظرف الزمان لا يكون صفة جثّة ولا حالا عنها ولا خبرا عنها ، وفيه تأمّل إذ ليس المعنى إلّا على كونها وصفا للقوم ، فلا يتعلّق بالسؤال ، فعلى تقدير تسليم ما ذكره ، يمكن تأويل القوم بحيث يوجد فيهم معنى ، ولا يكون جثّة محضة مثل الموجودين في ذلك الزمان (ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ) بسببها حيث لم يأتمروا بما سألوا جحودا ومنكرا «بها» متعلّق بكافرين.
وفي هذه الآية وأمثالها إشارة إلى أنّ الجاهل معذور ، وأنّ عقاب العالم أعظم فافهم.
(ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) (٣) ردّ وإنكار لما ابتدعه أهل الجاهليّة وهو أنّهم كانوا إذا أنتجت الناقة عندهم خمسة أبطن آخرها ذكر
__________________
(١) آل عمران : ٩٧.
(٢) المائدة : ١٠٢.
(٣) المائدة : ١٠٣.