بحروا أذنها أي شقّوها فخلّوا سبيلها ، فلا تركب ولا تحلب ، وكان الرجل منهم يقول : إن شفيت فناقتي سائبة ، ويجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها ، وإذا ولدت شاة أنثى فهي لهم ، وإن ولدت ذكرا فهو لآلهتهم وإن ولدتهما وصلت الأنثى أخاها فلا يذبح لآلهتهم الذكر ، وإذا أنتجت من صلب الفحل عشرة أبطن حرّموا ظهره ولا يمنعوها من ماء ولا مرعى ، وقالوا قد حمي ظهره ، ومعنى (ما جَعَلَ) ما شرع ووضع ، ولهذا تعدّى إلى مفعول واحد وهو البحيرة وما عطف عليه ، و «من» زائدة.
(وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) أي الكفّار يفترون على الله الكذب بجعل الحلال حراما وبالعكس ، ويقولون الله جعله كذلك ولا يعرفون الحلال من الحرام ، والمبيح من المحرّم ، والأمر من غيره ، ولكن يقلّدون آباءهم ولا يسمعون المعقول كما يفهم من قوله (إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) الواو للحال والهمزة دخلت عليها إنكارا للفعل على هذه الحالة ، أي أحسبهم ما وجدوا عليه آباءهم ولو كانوا جهلة ضالّين ، والمعنى : الاقتداء إنّما يصحّ بمن علم أنّه مهتد عالم ، وذلك لا يعرف إلّا بالحجّة فلا يكفي غيرها من التقليد.
واعلم أنّ في هذه الآيات دلالة على أنّ تحريم شيء وتحليله بغير دليل شرعيّ حرام فالبدعة حرام فانّ كلّ ما يجعل الإنسان على نفسه من إخراج مال عن الانتفاع بقوله وفعله لا يخرج بذلك عمّا كان وإن جعل في مقابلة نعمة مثل شفاء عن مرض ما لم يكن عليه دليل شرعيّ بنذر ونحوه ، وأنّ جعل ذلك من عند النفس بغير دليل افتراء على الله بالكذب ، وأنّ التقليد غير جائز في مقابلة الدعوة إلى الله وإلى الرّسول ، بل مطلقا ما لم يكن المقلّد مهتديا فيدلّ على جوازه مع العلم بأنّه مهتد.
ففيه جواز التقليد في الجملة ، وذلك غير بعيد ، ولكن ليس بتقليد حقيقة لأنّه لم يعلم أنّه مهتد وأنّ من اتّبعه كذلك إلّا مع دليل يدلّ على أنّ المتبوع والمقلّد هاد ومهتد ، وفي اتّباعه هداية ورشد ، وحينئذ هو خارج عن التقليد المذموم ، بل