إذا مسّ الإنسان يختلط عقله فيصرع ، والحاصل أنّهم لا يقومون من قبورهم إلى المحشر بسبب الربا ووزره وثقله عليهم قياما مثل قيام صحيح العقل ، بل مثل قيام المجانين فيسقطون تارة ويمشون على غير الاستقامة أخرى ولا يقدرون على القيام اخرى ، فكان ما أكلوا من الربا أربى في بطونهم ، وصار شيئا ثقيلا على ظهورهم فلا يقدرون على ما كانوا قادرين عليه من القيام والمشي على الاستقامة.
وقيل : يكون ذلك علامة لهم يوم القيامة يعرفون بها ، كما أنّ لبعض المعاصي علامة يعرف صاحبه بها ، وكذا الطّاعات ، وذلك بسبب أنّهم جعلوا الرّبا حلالا مثل البيع ، وقالوا إنّه مثل الربا ، يعني كما أنّ في البيع الّذي لا ربا فيه يحصل الربح وهو حلال وليس له سبب للتحليل إلّا ذلك ، كذلك في البيع الّذي فيه الربا يحصل ذلك أيضا ، قيل كان ينبغي العكس ولكنّهم اختاروا هذا للمبالغة ، فكأنّهم جعلوا الربا أصلا في الحلّ وقاسوا عليه البيع ، وردّ الله قياسهم وأنكره بقوله (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) أي وإن كانا متماثلين ، ولكن أحدهما حلال والآخر حرام ، لحكمة يعلمها الله ، لجواز اختلاف الحكم مع التساوي في بعض الأمور ، إذا لم يثبت كونه علّة له ، ففيها دلالة على عدم صحّة مطلق القياس ، وأنّ القائل به مذموم عند الله حيث ذمّهم.
فمن بلغه وعظ من الله بأمر أو نهي وقبض وتصرّف فاتّعظ وقبل النهي أو ارتكب المأمور به (فَلَهُ ما سَلَفَ) أي فملك ما أخذه سالفا وقبض وتصرّف ، وجاز له التصرف فيما فعل من المنهيّ الآن ، وكذا فيما يترتّب على ترك ما هو المأمور به الآن ، ولا مؤاخذة على ما سبق الأمر والنّهي (وَأَمْرُهُ) بعدهما (إِلَى اللهِ) فيجازيه بعمله ، فان اتّعظ لله ، وقبل الأمر والنهي ، لأنّهما من الله فيثيبه ، وإلّا فيعاقبه بقدر العمل ، أو أنّ الله يحكم في شأنه وليس عليكم الاعتراض ، وقيل : معناه بعد الموعظة والتحريم فأمره إلى الله تعالى فان شاء عصمه عن أكله ، وإن شاء خذله ، وقيل أمره في حكم الآخرة ، إن لم يتب إلى الله فان شاء عذّب وإن شاء غفر له.