وأقرب إلى التقوى عليم بما يعملونه على أيّ وجه يعملونه.
واعلم أنّ في الأمر للمؤمنين بحفظ الفروج فقط مع أمر المؤمنات في الآية الثانية به ، وبعدم إبداء الزينة مع الأصل وحصر المحرّمات دلالة ظاهرة على عدم وجوب الستر من المحرّمات على الرجال ، سوى فروجهم ، فبدنهم ليس بعورة وإن كان رؤيته عليهنّ حراما ، فلا يجب عليهم الستر من باب المعاونة على الإثم والعدوان وإن عملوا بذلك لما تقدّم ، ويمكن تحريم ذلك لو قصدوا ذلك فتأمّل ودلالة أيضا على أنّ عورتهم ليس إلّا الفرج ، والفرج يطلق على المخرجين.
الثانية : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَ) (١).
هذا ظاهر في نهي النساء عن النظر إلى الأجانب أصلا ورأسا ، ويؤيّده خبر ابن أمّ مكتوم المشهور (٢) (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) أي مواضعها (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) فبعد الاستثناء يبقى ما بطن وسيجيء الاستثناء منه أيضا بقوله (إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ) الآية في الكشاف الزينة ما تزيّنت به المرأة من حليّ أو كحل أو خضاب ، فما كان ظاهرا
__________________
(١) النور : ٣٢.
(٢) روى عن أم سلمة أنها قالت : كنت أنا وميمونة عند رسول الله صلىاللهعليهوآله فدخل علينا ابن أم مكتوم بعد آية الحجاب ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله لنا : احتجنا فقلنا : يا رسول الله إنّه أعمى ، فقال : أفعميا وان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ أخرجه أبو داود والترمذي وصححه والنسائي والبيهقي في سننه عن أم سلمة كما في الدر المنثور ج ٥ ص ٤٢.
أقول : قد اشتبه المراد من آية الحجاب على بعض كالمؤلف رضوان الله عليه ، فتوهم أن المراد بآية الحجاب في هذا الحديث آية النور المبحوث عنها وليس كذلك ، بل المراد آية الأحزاب : ٥٤ (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ. ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) ففرض أن لا يتكلموا إلا وبينهم وبينهن حجاب من ستر ، وهذا الحكم من مختصات أمهات المؤمنين.
وقوله صلىاللهعليهوآله «احتجبا» يعنى أدخلا وراء الستر ، فقالا إنه أعمى يعنون أن عماه كالغشاء والستر بينه وبينهن ، فقال صلىاللهعليهوآله : هذا ستر يستركن عن عينه ولا يستره عن عيونكن ، وقد كان الواجب حجاب يستر على الجانبين.