بقوله (حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) الآية وغيرها وبلسان نبيّه في الأخبار (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) ممّا حرّم عليكم فإنّه أيضا حلال حال الضرورة والاضطرار ففي مفهوم هذه الآية تحريم ما لم يذبح باسم الله ، أي لم يذكر اسم الله عند ذبحه كما مرّ.
(وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) سماع إنصاف وتدبّر وتفكّر لأنّ من لم يسمع بقبلة فكأنّه أصمّ لا يسمع وفيها دلالة على إباحة الماء والأرض بالنقل أيضا فعلى أيّ وجه يريد الإنسان يتصرّف فيهما ما لم يدلّ دليل على خلاف ذلك.
(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) (١) قد ذكر في أوّل هذه السورة في الكشّاف أنّ الأنعام هي الأزواج الثمانية المذكورة في سورة الأنعام ، وأكثر ما يقع على الإبل وقد أنّث هناك بقوله (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) وفيها (وَتَحْمِلُ) وذكّره هنا بقوله (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) والضمير راجع إليه فذلك إمّا لأنّ الأنعام اسم جمع وليس بجمع فيعتبر تارة معناه فيؤنّث واخرى لفظه فيذكّر ، أو يكون جمعا والتذكير هنا باعتبار إرجاعه إلى بعض الأنعام المفهوم منها فإنّ اللّبن الّذي في البطون ليس في البطون كلّها ، بل بعضها ، ونقل أفراده في الكشّاف والقاضي عن سيبويه ، أي لكم في الأنعام وما يحصل منها عظة واعتبار لو تأمّلتم ثمّ بيّن ذلك بقوله (نُسْقِيكُمْ) فهو استيناف كأنّه قيل كيف العبرة فقيل (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً) أي يخلق الله اللّبن وسيطا بين الفرث والدم يكتنفانه وبينه وبينهما برزخ من قدرة الله لا يبغي أحدهما عليه بلون ولا طعم ولا رائحة بل هو خالص من ذلك كلّه قيل إذا أكلت البهيمة العلف فاستقرّ في كرشها طبخته وكان أسفله فرثا وأوسطه لبنا وأعلاه دما والكبد قسّام مسلّط على هذه الأصناف الثلاثة يقسمها فيجري الدّم في العروق واللّبن في الضروع ويبقى الفرث في الكرش فسبحان الله ما أعظم قدرته وألطف حكمته ، لمن تفكّر وتأمّل ، وسئل شقيق عن
__________________
(١) النحل : ٦٩ ـ ٧٢.