اُخرى : بصيرورة وجوده للمادّة ناعتاً لها (١) ، فمعنى عروض الافتقار له بسبب خارج بعد غناه عنها في ذاته صيرورةُ وجودِهِ لغيره بعد ما كان لنفسه ، وهو محالٌ بالضرورة.
واعلم أنّ المسألة وإن عقدَتْ في تجرُّد الصورة الجسميّة لكنّ الدليلَ يجري في كلّ صورة في إمكانها أن تلحقها كمالاتٌ طارئةٌ.
وسيأتي في بحث الحركة الجوهريّة (٢) أنّ الجوهر المادّيّ متحرّك في صورها حتّى يتخلّص إلى فعليّة محضة لا قوّةَ معها ، وذلك باللُبْس بعد اللُبْس لا بالخلع واللُبْس ، فبناءً عليه تكون استحالة تجرُّد الصورة المادّيّة عن المادّة مقيدّةً بالحركة دون ما إذا تمّت الحركة وبلغت الغاية.
ويتأيّد ذلك بما ذكره الشيخ (٣) وصدر المتألّهين (٤) [من] أنّ المادّةَ غيرُ داخلة في حدّ الجسم دخولَ الأجناس في حدود أنواعها.
فماهيّة الجسم ـ وهي الجوهر القابل للأبعاد الثلاثة ـ لا خبرَ فيها عن المادّة التي هي الجوهر الذي فيه قوّةُ الأشياء ، لكنّ الجسمَ مثلا مأخوذٌ في حدّ الجسم النامي والجسم النامي مأخوذٌ في حدّ الحيوان والحيوان مأخوذٌ في حدّ الإنسان.
وقد بيّنه صدر المتألّهين (٥) بأنّها لو كانت داخلةً في ماهيّة الجسم لكانت بيّنةَ الثبوت له على ما هو خاصّة الذاتيّ ، لكِنّا نشكّ في ثبوتها للجسم في بادئ النظر ، ثمّ نثبتها له بالبرهان ، ولا برهانَ على ذاتيٍّ.
ولا منافاة بين القول بخروجها عن ماهيّة الجسم والقول بإتّحادها مع الصّورة الجسميّة على ما هو لازمُ إجتماع ما بالقوّة مع ما بالفعل ، لأنّ الإتّحاد المدّعى إنّما
__________________
(١) قال قطب الدين الرازيّ في تعليقته على شرح الإشارات ج ٢ ص ١٠٣ : «ولا معنى للحلول إلاّ الاختصاص الناعت».
(٢) راجع الفصل الثامن من المرحلة التاسعة.
(٣) في آخر الفصل الثاني من المقالة الثانية من إلهيات الشفاء ، حيث قال : «وأمّا الجسميّة التي نتكلّم فيها ...».
(٤) في الأسفار ج ٥ ص ١٣٦.
(٥) راجع الأسفار ج ٥ ص ١٣٦.